الرئيسية - التفاسير


* تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق


{ تَٱللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَآ إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ ٱلْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { وَمَآ أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ ٱلَّذِي ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } * { وَٱللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ ٱلْسَّمَآءِ مَآءً فَأَحْيَا بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَآ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ } * { وَإِنَّ لَكُمْ فِي ٱلأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَناً خَالِصاً سَآئِغاً لِلشَّارِبِينَ } * { وَمِن ثَمَرَاتِ ٱلنَّخِيلِ وَٱلأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }

قوله عز وجل: { وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بُطونه } أي نبيح لكم شرب ما في بطونه، فعبر عن الإباحة بالسقي.

{ مِن بين فرثٍ ودمٍ لبناً خالصاً } فيه وجهان:

أحدهما: خالصاً من الفرث والدم.

الثاني: أن المراد من الخالص هنا الأبيض، قاله ابن بحر ومنه قول النابغة:

يصونون أجساداً قديمها نعيمُها   بخالصةِ الأردان خُضْر المناكب
فخالصة الأردان أي بيض الأكمام، وخضر المناكب يعني من حمائل السيوف. { سائغاً للشاربين } فيه وجهان:

أحدهما: حلال للشاربين.

الثاني: معناه لا تعافه النفس. وقيل: إنه لا يغص أحد باللبن. قوله عز وجل: { ومن ثَمَرات النخيل والأعناب تتخذون منه سَكراً ورزقاً حسَناً } فيها أربعة تأويلات:

أحدها: أن السكر الخمر، والرزق الحسن التمر والرطب والزبيب. وأنزلت هذه الآية قبل تحريم الخمر ثم حرمت من بعد. قال ابن عباس: السَّكر ما حرم من شرابه، والرزق الحسن ما حل من ثمرته، وبه قال مجاهد وقتادة وسعيد بن جبير ومن ذلك قول الأخطل:

بئس الصُّحاة وبئس الشرب شربهم   إذا جرى فيهم المزاءُ والسكُرُ
والسكر: الخمر، والمزاء: نوع من النبيذ المسكر.

واختلف من قال بهذا هل خرج مخرج الإباحة أو مخرج الخبر على وجهين:

أحدهما: أنه خرج مخرج الإباحة ثم نسخ.قاله قتادة.

الثاني: أنه خرج مخرج الخبر أنهم يتخذون ذلك وإن لم يحل، قاله ابن عباس.

الثاني: أن السّكَر: النبيذ المسكر، والرزق الحسن التمر والزبيب، قاله الشعبي والسدي.

وجعلها أهل العراق دليلاً على إباحة النبيذ.

الثالث: أن السكر: الخل بلغة الحبشة، الرزق الحسن: الطعام.

الرابع: أن السكر ما طعم من الطعام وحل شربه من ثمار النخيل والأعناب وهو الرزق الحسن، وبه قال أبو جعفر الطبري وأنشد قول الشاعر:

وَجَعلت عيب الأكرمين سكرا