الرئيسية - التفاسير


* تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ وَلٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّىٰ فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ } * { وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ ٱلْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ ٱلْحُسْنَىٰ لاَ جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ ٱلْنَّارَ وَأَنَّهُمْ مُّفْرَطُونَ }

قوله عز وجل: { ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم } يعني في الدنيا بالانتقام لأنه يمهلهم في الأغلب من أحوالهم.

{ ما ترك عليها من دابّةٍ } يعني بهلاكهم بعذاب الاستئصال من أخذه لهم بظلمهم. { ولكن يؤخرهم إلى أجلٍ مسمى } فيه وجهان:

أحدهما: إلى يوم القيامة.

الثاني: تعجيله في الدنيا. فإن قيل: فكيف يعمهم بالهلاك مع أن فيهم مؤمناً ليس بظالم؟ فعن ذلك ثلاثة أجوبة:

أحدها: أنه يجعل هلاك الظالم انتقاماً وجزاء، وهلاك المؤمن معوضاً بثواب الآخرة.

الثاني: ما ترك عليها من دابة من أهل الظلم.

الثالث: يعني أنه لو أهلك الآباء بالكفر لم يكن الأبناء ولا نقطع النسل فلم يولد مؤمن.

قوله عز وجل: { ويجعلون لله ما يكرهون } يعني من البنات. { وتصف ألسنتهم الكذب أنّ لهم الحُسنَى } فيه وجهان:

أحدهما: أن لهم البنين مع جعلهم لله ما يكرهون من البنات، قاله مجاهد.

الثاني: معناه أن لهم من الله الجزاء الحسن، قاله الزجاج. { لا جرم أن لهم النار } فيه أربعة أوجه:

أحدهما: معناه حقاً أن لهم النار. الثاني: معناه قطعاً أن لهم النار.

الثالث: اقتضى فعلهم أن لهم النار.

الرابع: معناه بلى إن لهم النار، قاله ابن عباس.

{ وأنهم مفرطون } فيه خمسة تأويلات:

أحدها: معناه منسيون، قاله مجاهد.

الثاني: مضيّعون،قاله الحسن.

الثالث: مبعدون في النار، قاله سعيد بن جبير.

الرابع: متروكون في النار، قاله الضحاك.

الخامس: مقدَّمون إلى النار، قاله قتادة. ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: " أنا فَرَطكم على الحوض " أي متقدمكم، وقال القطامي:

فاستعجلونا وكانوا من صحابتنا   كما تعجّل فرّاطٌ لوُرّادِ
والفرّاط: المتقدمون في طلب الماء، والورّاد: المتأخرون.

وقرأ نافع { مُفْرِطون } بكسر الراء وتخفيفها، ومعناه مسرفون في الذنوب، من الإفراط فيها.

وقرأ الباقون من السبعة { مفرطون } أي معجلون إلى النار متروكون فيها.

وقرأ أبو جعفر القارىء { مفَرِّطون } بكسر الراء وتشديدها، ومعناه من التفريط في الواجب.