الرئيسية - التفاسير


* تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي ٱلسَّمَاءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ } * { وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ } * { إِلاَّ مَنِ ٱسْتَرَقَ ٱلسَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ } * { وَٱلأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ } * { وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ }

قوله عز وجل: { ولقد جعلنا في السماء بروجاً } فيه خمسة أقاويل:

أحدها: أنها قصور في السماء فيها الحرس، قاله عطية.

الثاني: أنها منازل الشمس والقمر، قاله علي بن عيسى.

الثالث: أنها الكواكب العظام، قاله أبو صالح، يعني السبعة السيارة.

الرابع: أنها النجوم، قاله الحسن وقتادة.

الخامس: أنها البروج الاثنا عشر.

وأصل البروج الظهور، ومنه تبرجت المرأة إذا أظهرت نفسها.

{ وزيناها للناظرين } أي حسنّاها.

{ وحفظناها من كل شيطان رجيم } يعني السماء. وفي الرجيم ثلاثة أوجه:

أحدها: أنه الملعون، قاله قتادة.

الثاني: المرجوم بقول أو فعل، ومنه قول الأعشى:

يظل رجيماً لريب المنون   والسقم في أهله والحزن
الثالث: أنه الشتيم. زعم الكلبي أن السموات كلها لم تحفظ من الشياطين إلى زمن عيسى، فلما بعث الله تعالى عيسى حفظ منها ثلاث سموات، إلى مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فحفظ جميعها بعد بعثه وحرسها منهم بالشهب.

قوله عز وجل: { إلا من استرق السمع } ومسترق السمع من الشياطين يسترقه من أخبار الأرض دون الوحي، لأن الله تعالى قد حفظ وحيه منهم.

ومن استراقهم له قولان:

أحدهما: أنهم يسترقونه من الملائكة في السماء.

الثاني: في الهواء عند نزول الملائكة من السماء. وفي حصول السمع قبل أخذهم بالشهاب قولان:

أحدهما: أن الشهاب يأخذهم قبل وصولهم إلى السمع، فيصرفون عنه.

الثاني: أنه يأخذهم بعد وصول السمع إليهم.

وفي أخذهم بالشهاب قولان:

أحدهما: أنه يخرج ويحرق ولا يقتل، قاله ابن عباس.

الثاني: أنه يقتل، قاله الحسن وطائفة.

فعلى هذا القول في قتلهم بالشهب قبل إلقاء السمع إلى الجن قولان:

أحدهما: أنهم يقتلون قبل إلقائهم ما استرقوه من السمع إلى غيرهم، فعلى هذا لا تصل أخبار السماء إلى غير الأنبياء، قاله ابن عباس: ولذلك انقطعت الكهانة.

الثاني: أنهم يقتلون بعد إلقائهم ما استرقوه من السمع إلى غيرهم من الجن، ولذلك ما يعودون إلى استراقه، ولو لم يصل لانقطع الإستراق وانقطع الإحراق.

وفي الشهب التي يرجمون بها قولان:

أحدهما: أنها نور يمتد بشدة ضيائه فيحرقهم ولا يعود، كما إذا أحرقت النار لم تعد.

الثاني: أنها نجوم يرجمون بها وتعود إلى أماكنها، قال ذو الرمة:

كأنه كوكب في إثر عفريةٍ   مُسَوَّمٌ في سوادِ الليل منقضبُ
قوله عز وجل: { والأرض مددناها } أي بسطناها. قال قتادة. بسطت من مكة لأنها أم القرى. { وألقينا فيها رواسي } وهي الجبال.

{ وأنبتنا فيها من كل شيء موزون } فيه أربعة أقاويل:

أحدها: يعني مقدر معلوم، قاله ابن عباس وسعيد بن جبير. وإنما قيل { موزون } لأن الوزن يعرف به مقدار الشيء. قاله الشاعر:

قد كنت قبل لقائكم ذا مِرّةٍ   عندي لكل مُخاصِم ميزانُه

السابقالتالي
2