قوله عز وجل: { رَبّنا إني أسكنت مِنْ ذُرِّيتي بوادٍ غير ذي زَرْعٍ } هذا قول إبراهيم عليه السلام. وقوله { مِن ذريتي } يريد بهم إسماعيل وهاجر أُمه. { بوادٍ غير ذي زرع } يعني مكة أسكنها في بطحائها، ولم يكن بها ساكن، ثقة بالله وتوكلاً عليه. { عند بيتك المحرم } لأنه قبلة الصلوات فلذلك أسكنهم عنده. وأضاف البيت إليه لأنه لا يملكه غيره، ووصفه بأنه محرَّم لأنه يحرم فيه ما يستباح في غيره من جماع واستحلال. { ربّنا ليقيموا الصلاة } يحتمل وجهين: أحدهما: أن يكون سأل الله تعالى بذلك أن يهديهم إلى إقامة الصلاة. الثاني: أن يكون ذكر سبب تركهم فيه أن يقيموا الصلاة. { فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم } في { أفئدة } وجهان: أحدهما: أن الأفئدة جمع فؤاد وهي القلوب، وقد يعبر عن القلب بالفؤاد، قال الشاعر:
وإنّ فؤاداً قادَني بصبابةٍ
إليك على طول الهوَى لصَبورُ
الثاني: أن الأفئدة جمع وفد، فكأنه قال: فاجعل وفوداً من الأمم تهوي إليهم. وفي قوله: { تهوي إليهم } أربعة أوجه: أحدها: أنه بمعنى تحن إليهم، الثاني: أنه بمعنى تنزل إليهم، لأن مكة في واد والقاصد إليها نازل إليها، الثالث: ترتفع إليهم، لأن ما في القلوب بخروجه منها كالمرتفع عنها. الرابع: تهواهم. وقد قرىء تهْوَى. وفي مسألة إبراهيم عليه السلام أن يجعل اللهُ أفئدةً من الناس تهوي إليهم قولان: أحدهما: ليهووا السكنى بمكة فيصير بلداً محرّماً، قاله ابن عباس. الثاني: لينزعوا إلى مكة فيحجوا، قاله سعيد بن جبير ومجاهد. قال ابن عباس: لولا أنه قال من الناس لحجه اليهود والنصارى وفارس والروم. { وارزقهم من الثمرات } فيه وجهان: أحدهما: يريد ثمرات القلوب بأن تحببهم إلى قلوب الناس فيزوروهم. الثاني: ومن الظاهر من ثمرات النخل والأشجار، فأجابه بما في الطائف من الثمار، وما يجلب إلهم من الأمصار. { لَعَلَّهُمْ يشكرون } أي لكي يشكروك. قوله عز وجل: { ربنا اغفر لي ولوالديَّ وللمؤمنين } وفي استغفاره لوالديه مع شركهما ثلاثة أوجه: أحدهما: كانا حيين فطمع في إيمانهما. فدعا لهما بالاستغفار، فلما ماتا على الكفر لم يستغفر لهما. الثاني: أنه أراد آدم وحوّاء. الثالث: أنه أراد ولديه إسماعيل وإسحاق. وكان إبراهيم يقرأ: { رب اغفر لي ولوالدي } يعني ابنيه، وكذلك قرأ يحيى بن يعمر.