الرئيسية - التفاسير


* تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ ٱلثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي ٱلْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلأَنْهَارَ } * { وَسَخَّر لَكُمُ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ } * { وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ ٱلإنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ } * { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا ٱلْبَلَدَ ءَامِناً وَٱجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ ٱلأَصْنَامَ } * { رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { رَّبَّنَآ إِنَّيۤ أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ ٱلْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ فَٱجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ ٱلنَّاسِ تَهْوِىۤ إِلَيْهِمْ وَٱرْزُقْهُمْ مِّنَ ٱلثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ }

قوله عز وجل: { رَبّنا إني أسكنت مِنْ ذُرِّيتي بوادٍ غير ذي زَرْعٍ } هذا قول إبراهيم عليه السلام. وقوله { مِن ذريتي } يريد بهم إسماعيل وهاجر أُمه.

{ بوادٍ غير ذي زرع } يعني مكة أسكنها في بطحائها، ولم يكن بها ساكن، ثقة بالله وتوكلاً عليه.

{ عند بيتك المحرم } لأنه قبلة الصلوات فلذلك أسكنهم عنده. وأضاف البيت إليه لأنه لا يملكه غيره، ووصفه بأنه محرَّم لأنه يحرم فيه ما يستباح في غيره من جماع واستحلال.

{ ربّنا ليقيموا الصلاة } يحتمل وجهين:

أحدهما: أن يكون سأل الله تعالى بذلك أن يهديهم إلى إقامة الصلاة.

الثاني: أن يكون ذكر سبب تركهم فيه أن يقيموا الصلاة.

{ فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم } في { أفئدة } وجهان:

أحدهما: أن الأفئدة جمع فؤاد وهي القلوب، وقد يعبر عن القلب بالفؤاد، قال الشاعر:

وإنّ فؤاداً قادَني بصبابةٍ   إليك على طول الهوَى لصَبورُ
الثاني: أن الأفئدة جمع وفد، فكأنه قال: فاجعل وفوداً من الأمم تهوي إليهم. وفي قوله: { تهوي إليهم } أربعة أوجه:

أحدها: أنه بمعنى تحن إليهم،

الثاني: أنه بمعنى تنزل إليهم، لأن مكة في واد والقاصد إليها نازل إليها،

الثالث: ترتفع إليهم، لأن ما في القلوب بخروجه منها كالمرتفع عنها.

الرابع: تهواهم. وقد قرىء تهْوَى.

وفي مسألة إبراهيم عليه السلام أن يجعل اللهُ أفئدةً من الناس تهوي إليهم قولان:

أحدهما: ليهووا السكنى بمكة فيصير بلداً محرّماً، قاله ابن عباس.

الثاني: لينزعوا إلى مكة فيحجوا، قاله سعيد بن جبير ومجاهد.

قال ابن عباس: لولا أنه قال من الناس لحجه اليهود والنصارى وفارس والروم.

{ وارزقهم من الثمرات } فيه وجهان:

أحدهما: يريد ثمرات القلوب بأن تحببهم إلى قلوب الناس فيزوروهم.

الثاني: ومن الظاهر من ثمرات النخل والأشجار، فأجابه بما في الطائف من الثمار، وما يجلب إلهم من الأمصار.

{ لَعَلَّهُمْ يشكرون } أي لكي يشكروك.

قوله عز وجل: { ربنا اغفر لي ولوالديَّ وللمؤمنين } وفي استغفاره لوالديه مع شركهما ثلاثة أوجه:

أحدهما: كانا حيين فطمع في إيمانهما. فدعا لهما بالاستغفار، فلما ماتا على الكفر لم يستغفر لهما.

الثاني: أنه أراد آدم وحوّاء.

الثالث: أنه أراد ولديه إسماعيل وإسحاق. وكان إبراهيم يقرأ: { رب اغفر لي ولوالدي } يعني ابنيه، وكذلك قرأ يحيى بن يعمر.