الرئيسية - التفاسير


* تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّـكُمْ مِّنْ أَرْضِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ ٱلظَّالِمِينَ } * { وَلَنُسْكِنَنَّـكُمُ ٱلأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذٰلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ } * { وَٱسْتَفْتَحُواْ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ } * { مِّن وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَىٰ مِن مَّآءٍ صَدِيدٍ } * { يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ ٱلْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِن وَرَآئِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ }

قوله عز وجل: { ذلك لمن خاف مقامي } أي المقام بين يدّي، وأضاف ذلك إليه لاختصاصه به:

والفرق بين المقام بالفتح وبين المقام بالضم أنه إذا ضم فهو فعل الإقامة، وإذا فتح فهو مكان الإقامة.

{ وخاف وعيد } فيه وجهان:

أحدهما: أنه العذاب.

والثاني: أنه ما في القرآن من زواجر.

{ واستفتحوا } فيه وجهان:

أحدهما: أن الرسل استفتحوا بطلب النصر، قاله ابن عباس.

الثاني: أن الكفار استفتحوا بالبلاء، قاله ابن زيد.

وفي الاستفتاح وجهان:

أحدهما: أنه الإبتداء.

الثاني: أنه الدعاء، قاله الكلبي.

{ وخاب كلُّ جبار عنيد } في { خاب } وجهان:

أحدهما: خسر عمله.

الثاني: بطل أمله.

وفي { جبار } وجهان:

أحدهما: أنه المنتقم.

الثاني: المتكبر بطراً.

وفي { عنيد } وجهان.

أحدهما: أنه المعاند للحق.

الثاني: أنه المتباعد عن الحق، قال الشاعر:

ولست إذا تشاجر أمْرُ قوم   بأَوَّلِ مَنْ يخالِفهُم عَنيدا
قوله عز وجل: { مِن ورائه جهنم } فيه أربعة أوجه:

أحدها: معناه من خلفه جهنم. قال أبو عبيدة: وراء من الأضداد وتقع على خلف وقدام. جميعاً.

الثاني: معناه أمامه جهنم، ومنه قول الشاعر:

ومن ورائك يومٌ أنت بالغه   لا حاضرٌ معجز عنه ولا بادي
الثالث: أن جهنم تتوارى ولا تظهر، فصارت من وراء لأنها لا ترى حكاه ابن الأنباري.

الرابع: من ورائه جهنم معناه من بعد هلاكه جهنم، كما قال النابغة:

حلفت فلم أترك لنفسك ريبةً   وليس وراءَ الله للمرْءِ مذهب
أراد: وليس بعد الله مذهب.

{ ويسقى من ماءٍ صديد } فيه وجهان:

أحدهما: من ماء مثل الصديد كما يقال للرجل الشجاع أسد، أي مثل الأسد.

الثاني: من ماء كرهته تصد عنه، فيكون الصديد مأخوذاً من الصد.

قوله عز وجل: {... ويأتيه الموت مِنْ كل مكان } فيه ثلاثة أوجه:

أحدها: من كل مكان من جسده حتى من أطراف شعره، قاله إبراهيم التيمي، للآلام التي في كل موضع من جسده.

الثاني: تأتيه أسباب الموت من كل جهة، عن يمينه وشماله، ومن فوقه وتحته، ومن قدامه وخلفه، قاله ابن عباس.

الثالث: تأتيه شدائد الموت من كل مكان، حكاه ابن عيسى.

{ وما هو بميتٍ } لتطاول شدائد الموت به وامتداد سكراته عليه ليكون ذلك زيادة في عذابه.

{ ومن ورائه عذاب غليظ } فيه الوجوه الأربعة الماضية. والعذاب الغليظ هو الخلود في جهنم.