الرئيسية - التفاسير


* تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ } * { وَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَٰأَسَفَىٰ عَلَى يُوسُفَ وَٱبْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ ٱلْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ } * { قَالُواْ تَاللهِ تَفْتَؤُاْ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّىٰ تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ ٱلْهَالِكِينَ } * { قَالَ إِنَّمَآ أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى ٱللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }

قوله عز وجل: { قال بل سولت لكم أنفسكم أمراً } فيه وجهان:

أحدهما: بل سهلت.

الثاني: بل زينت لكم أنفسكم أمراً في قولكم إن ابني سرق وهو لا يسرق، وإنما ذاك لأمر يريده الله تعالى.

{ فصبر جميل عسى الله أن يأتيني بهم جميعاً } يعني يوسف وأخيه المأخوذ في السرقة وأخيه المتخلف معه فهم ثلاثة.

{ إنه هو العليم الحكيم } يعني العليم بأمركم، الحكيم في قضائه بما ذكرتم.

قوله عز وجل: { وتولَّى عنهم وقال يا أسفَى على يوسف } فيه وجهان:

أحدهما: معناه واجزعاه قاله مجاهد، ومنه قول كثير:

فيا أسفا للقلب كيف انصرافُه   وللنفس لما سليت فتسلّتِ
الثاني: معناه يا جزعاه، قاله ابن عباس. قال حسان بن ثابت يرثي رسول الله صلى الله عليه وسلم:

فيا أسفا ما وارت الأرض واستوت   عليه وما تحت السلام المنضد
وفي هذا القول وجهان:

أحدهما: أنه أراد به الشكوى إلى الله تعالى ولم يرد به الشكوى منه رغباً إلى الله تعالى في كشف بلائه.

الثاني: أنه أراد به الدعاء، وفيه قولان:

أحدهما: مضمر وتقديره يا رب ارحم أسفي على يوسف.

{ وابيضت عَيْنَاه من الحزن } فيه قولان:

أحدهما: أنه ضعف بصره لبياض حصل فيه من كثرة بكائه.

الثاني: أنه ذهب بصره، قاله مجاهد.

{ فهو كظيم } فيه أربعة أوجه:

أحدها: أنه الكمد، قاله الضحاك.

الثاني: أنه الذي لا يتكلم، قاله ابن زيد.

الثالث: أنه المقهور، قاله ابن عباس، قال الشاعر:

فإن أك كاظماً لمصاب شاسٍ   فإني اليوم منطلق لساني
والرابع: أنه المخفي لحزنه، قاله مجاهد وقتادة، مأخوذ من كظم الغيظ وهو إخفاؤه، قال الشاعر:

فحضضت قومي واحتسبت قتالهم   والقوم من خوفِ المنايا كظم
قوله عز وجل: { قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف } قال ابن عباس والحسن وقتادة معناه لا تزال تذكر يوسف، قال أوس بن حجر:

فما فتئت خيل تثوبُ وتدّعي   ويلحق منها لاحق وتقطّعُ
أي فما زالت. وقال مجاهد: تفتأ بمعنى تفتر.

{ حتى تكون حرضاً } فيه ثلاثة تأويلات.

أحدها: يعني هرماً، قاله الحسن.

والثاني: دنفاً من المرض، وهو ما دون الموت، قاله ابن عباس ومجاهد.

والثالث: أنه الفاسد العقل، قاله محمد بن إسحاق. وأصل الحرض فساد الجسم والعقل من مرض أو عشق، قال العرجي.

إني امرؤلجّ بي حُبٌّ فأحرضني   حتى بَليتُ وحتى شفّني السقم
{ أو تكون من الهالكين } يعني ميتاً من الميتين، قاله الجميع.

فإن قيل: فكيف صبر يوسف عن أبيه بعد أن صار ملكاً متمكناً بمصر، وأبوه بحرّان من أرض الجزيرة؟ وهلاّ عجّل استدعاءه ولم يتعلل بشيء بعد شيء؟

قيل يحتمل أربعة أوجه:

أحدها: أن يكون فعل ذلك عن أمر الله تعالى، ابتلاء له لمصلحة علمها فيه لأنه نبيّ مأمور.

السابقالتالي
2