الرئيسية - التفاسير


* تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ ٱلسِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا ٱلْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ } * { قَالُواْ وَأَقْبَلُواْ عَلَيْهِمْ مَّاذَا تَفْقِدُونَ } * { قَالُواْ نَفْقِدُ صُوَاعَ ٱلْمَلِكِ وَلِمَن جَآءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ }

قوله عز وجل: { فلما جهزهم بجهازهم } وهو كيل الطعام لهم بعد إكرامهم وإعطائه بعيراً لأخيهم مثل ما أعطاهم.

{ جعل السقاية في رحل أخيه } والسقاية والصواع واحد. قال ابن عباس. وكل شيء يشرب فيه فهو صواع، قال الشاعر:

نشرب الخمر بالصواع جهاراً   وترى المتك بيننا مستعارا
قال قتادة: وكان إناء المتك الذي يشرب فيه.

واختلف في جنسه، فقال عكرمة كان من فضة، وقال عبد الرحمن بن زيد: كان من ذهب، وبه كال طعامهم مبالغة في إكرامهم.

وقال السدي: هو المكوك العادي الذي يلتقي طرفاه.

{ ثم أذن مؤذن أيتها العير إنكم لسارقون } أي نادى مناد فسمى النداء أذاناً لأنه إعلام كالأذان.

وفي { العير } وجهان:

أحدهما: أنها الرفقة.

الثاني: أنها الإبل المرحولة المركوبة، قاله أبو عبيدة.

فإن قيل: كيف استجاز يوسف أن يجعل السقاية في رحل أخيه لسرقهم وهم برآء، وهذه معصية؟

قيل عن هذه أربعة أجوبة:

أحدها: أنها معصية فعلها الكيال ولم يأمر بها يوسف.

الثاني: أن المنادي الذي كال حين فقد السقاية ظن أنهم سرقوها ولم يعلم بما فعله يوسف، فلم يكن عاصياً.

الثالث: أن النداء كان بأمر يوسف، وعنى بذلك سرقتهم ليوسف من أبيه، وذلك صدق.

الرابع: أنها كانت خطيئة من قبل يوسف فعاقبه الله عليها بأن قال القوم { إن يسرق فقد سرق أخٌ له من قبل } يعنون يوسف. وذهب بعض من يقول بغوامض المعاني إلى أن معنى قوله { إنكم لسارقون } أي لعاقون لأبيكم في أمر أخيكم حيث أخذتموه منه وخنتموه فيه.

قوله عز وجل: { قالوا وأقبلوا عليهم ماذا تفقدون } لأنهم استنكروا ما قذفوا به مع ثقتهم بأنفسهم فاستفهموا استفهام المبهوت.

{ قالوا نفقد صواع الملك } والصواع واحد وحكى غالب الليثي عن يحيى بن يعمر أنه كان يقرأ صوغ الملك بالغين معجمة، مأخوذ من الصياغة لأنه مصوغ من فضة أو ذهب وقيل من نحاس.

{ ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم } وهذه جعالة بذلت للواجد.

وفي حمل البعير وجهان:

أحدهما: حمل جمل، وهو قول الجمهور.

الثاني: حمل حمار، وهو لغة، قاله مجاهد.

واختلف في هذا البذل على قولين:

أحدهما: أن المنادي بذله عن نفسه لأنه قال { وأنا به زعيم } أي كفيل ضامن.

فإن قيل: فكيف ضمن حمل بعير وهو مجهول، وضمان المجهول لا يصح؟ قيل عنه جوابان:

أحدهما: أن حمل البعير قد كان عندهم معلوماً كالسوق فصح ضمانه.

الثاني: أنها جعالة وقد أجاز بعض الفقهاء فيها في الجهالة، ما لم يُجزْه في غيرها كما أجاز فيها ضمان ما لم يلزم، وإن منع منه في غيرها.