الرئيسية - التفاسير


* تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَآءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ } * { وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ قَالَ ٱئْتُونِي بِأَخٍ لَّكُمْ مِّنْ أَبِيكُمْ أَلاَ تَرَوْنَ أَنِّيۤ أُوفِي ٱلْكَيْلَ وَأَنَاْ خَيْرُ ٱلْمُنْزِلِينَ } * { فَإِن لَّمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلاَ كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلاَ تَقْرَبُونِ } * { قَالُواْ سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ } * { وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ ٱجْعَلُواْ بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَآ إِذَا ٱنْقَلَبُوۤاْ إِلَىٰ أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }

قوله عز وجل: { وجاء إخوة يوسف فدخلوا عليه } الآية. قال ابن إسحاق والسدي: وإنما جاءُوا ليمتاروا من مصر في سني القحط التي ذكرها يوسف في تفسير الرؤيا، ودخلوا على يوسف لأنه كان هو الذي يتولى بيع الطعام لعزته.

{ فعرفهم } فيه وجهان:

أحدهما: أنه عرفهم حين دخلوا عليه من غير تعريف، قاله ابن عباس.

الثاني: ما عرفهم حتى تعرفوا إليه فعرفهم، قاله الحسن.

وقيل بل عرفهم بلسانهم العبراني حين تكلموا به.

قال ابن عباس: إنما سميت عبرانية لأن إبراهيم عليه السلام عبر بهم فلسطين فنزل من وراء نهر الأردن فسمّوا العبرانية.

{ وهم له منكرون } لأنه فارقوه صغيراً فكبر، وفقيراً فاستغنى، وباعوه عبداً فصار ملكاً، فلذلك أنكروه، ولم يتعرف إليهم ليعرفوه. قوله عز وجل:

{ ولمّا جهزهم بجهازهم } وذلك أنه كال لهم الطعام، قال ابن إسحاق: وحمل لكل رجل منهم بعيراً بعدَّتهم.

{ قال ائتوني بأخٍ لكم من أبيكم } قال قتادة: يعني بنيامين وكان أخا يوسف لأبيه وأمه.

قال السدي: أدخلهم الدار وقال: قد استربت بكم ـ تنكر عليهم ـ فأخبروني من أنتم فإني أخاف أن تكونوا عيوناً، فذكروا حال أبيهم وحالهم وحال يوسف وحال أخيه وتخلفه مع أبيه، فقال: إن كنتم صادقين فائتوني بهذا الأخ الذي لكم من أبيكم، وأظهر لهم أنه يريد أن يستبرىء به أحوالهم. وقيل: بل وصفوا له أنه أحَبُّ إلى أبيهم منهم، فأظهر لهم محبة رؤيته.

{ ألا تروْن أني أوفي الكيلَ } يحتمل وجهين:

أحدهما: أنه أرخص لهم في السعر فصار زيادة في الكيل.

الثاني: أنه كال لهم بمكيال واف.

{ وأنا خير المنزلين } فيه وجهان:

أحدهما: يعني خير المضيفين، قاله مجاهد.

الثاني: وهو محتمل، خير من نزلتم عليه من المأمونين. فهو على التأويل الأول مأخوذ من النزل وهو الطعام، وعلى التأويل الثاني مأخوذ من المنزل وهو الدار.

قوله عز وجل: { فإن لم تأتوني به فلا كيْل لكم عندي } يعني فيما بعد لأنه قد وفاهم كيلهم في هذه الحال.

{ ولا تقربون } أي لا أنزلكم عندي منزلة القريب. ولم يُرد أن يبعدوا منه ولا يعودوا إليه لأنه على العود حثهم.

قال السدي: وطلب منهم رهينة حتى يرجعوا، فارتهن شمعون عنده. قال الكلبي: إنما اختار شمعون منهم لأنه يوم الجُبّ كان أجملهم قولاً وأحسنهم رأياً.

قوله عز وجل: { قالوا سَنُرَاوِدُ عنه أباه } والمراودة الاجتهاد في الطلب، مأخوذ من الإرادة. { وَإِنَّا لَفَاعِلُون } فيه وجهان:

أحدهما: وإنا لفاعلون مراودة أبيه وطلبه منه.

الثاني: وإنا لفاعلون للعود إليه بأخيهم، قاله ابن إسحاق.

فإن قيل: كيف استجاز يوسف إدخال الحزن على أبيه بطلب أخيه؟

قيل عن هذا أربعة أجوبة:

أحدها: يجوز أن يكون الله عز وجل أمره بذلك ابتلاء ليعقوب ليُعظم له الثواب فاتّبع أمره فيه.

السابقالتالي
2