قوله عز وجل: { وما أبرىء نفسي } فيه ثلاثة أوجه: أحدها: أنه قول العزيز أي وما أبرىء نفسي من سوء الظن بيوسف. { إنَّ النفس لأمارة بالسوء } يحتمل وجهين: أحدهما: الأمارة بسوء الظن. الثاني: بالاتهام عند الارتياب. { إلا ما رحم ربي } يحتمل وجهين: أحدهما: إلاَّ ما رحم ربي إن كفاه سوء الظن. الثاني: أن يثنيه حتى لا يعمل. فهذا تأويل من زعم أنه قول العزيز. الوجه الثاني: أنه قول امرأة العزيز وما أبرىء نفسي إن كنت راودت يوسف عن نفسه لأن النفس باعثة على السوء إذا غلبت الشهوة عليها. { إلا ما رحم ربي } يحتمل وجهين: أحدهما: إلا ما رحم ربي من نزع شهوته منه. الثاني: إلا ما رحم ربي في قهره لشهوة نفسه، فهذا تأويل من زعم أنه من قول امرأة العزيز. الوجه الثاني: أنه من قول يوسف، واختلف قائلو هذا في سببه على أربعة أقاويل: أحدها: أن يوسف لما قال { ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب } قالت امرأة العزيز: ولا حين حللت السراويل؟ فقال: وما أبريء نفسي إن النفس لأمّارة بالسوء، قاله السدي. الثاني: أن يوسف لما قال ذلك غمزه جبريل عليه السلام فقال: ولا حين هممت؟ فقال { وما أُبريء نفسي إن النفس لأمّارة بالسوء } قاله ابن عباس. الثالث: أن الملك الذي مع يوسف قال له: اذكر ما هممت به، فقال: { وما أبرىء نفسي إن النفس لأمّارة بالسوء } قاله قتادة. الرابع: أن يوسف لما قال { ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب } كره نبي الله أن يكون قد زكى نفسه فقال { وما أبريء نفسي إن النفس لأمارة بالسوء } قاله الحسن. ويحتمل قوله { لأمارة بالسوء } وجهين: أحدهما: يعني أنها مائلة إلى الهوى بالأمر بالسوء. الثاني: أنها تستثقل من عزائم الأمور ما إن لم يصادف حزماً أفضت إلى السوء. قوله عز وجل: { وقال الملك ائتوني به اسْتخلصه لنفسي } وهذا قول الملك الأكبر لما علم أمانة يوسف اختاره ليستخلصه لنفسه في خاص خدمته. { فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين } لأنه استدل بكلامه على عقله، وبعصمته على أمانته فقال: { إنك اليوم لدينا مكين أمين } وهذه منزلة العاقل العفيف. وفي قوله { مكين } وجهان: أحدهما: وجيه، قاله مقاتل. الثاني: متمكن في المنزلة الرفيعة. وفي قوله { أمين } ثلاثة أوجه: أحدها: أنه بمعنى آمن لا تخاف العواقب، قاله ابن شجرة. الثاني: أنه بمعنى مأمون ثقة، قاله ابن عيسى. الثالث: حافظ، قاله مقاتل. قوله عز وجل: { قال اجعلني على خزائن الأرض } أي على خزائن أرضك، وفيها قولان: أحدهما: هو قول بعض المتعمقة أن الخزائن ها هنا الرجال، لأن الأفعال والأقوال مخزونة فيهم فصاروا خزائن لها.