الرئيسية - التفاسير


* تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَآءُوۤا أَبَاهُمْ عِشَآءً يَبْكُونَ } * { قَالُواْ يَٰأَبَانَآ إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ ٱلذِّئْبُ وَمَآ أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ } * { وَجَآءُوا عَلَىٰ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَٱللَّهُ ٱلْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ }

قوله عز وجل: { قالوا يا أبانا إنّا ذهبنا نستبق } وهو نفتعل من السباق وفيه أربعة أوجه:

أحدها: معناه ننتصل، من السباق في الرمي، قاله الزجاج.

الثاني: أنهم أرادوا السبق بالسعي على أقدامهم.

الثالث: أنهم عنوا استباقهم في العمل الذي تشاغلوا به من الرعي والاحتطاب.

الرابع: أي نتصيد وأنهم يستبقون على اقتناص الصيد.

{ وتركنا يوسف عند متاعنا } يحتمل أن يعنوا بتركه عند متاعهم إظهار الشفقة عليه، ويحتمل أن يعنوا حفظ رحالهم.

{ فأكله الذئب } لما سمعوا أباهم يقول: وأخاف أن يأكله الذئب أخذوا ذلك من فيه وتحرّموا به لأنه كان أظهر المخاوف عليه.

{ وما أنت بمؤمن لنا } أي بمصدق لنا.

{ ولو كنا صادقين } فيه وجهان:

أحدهما: أنه لم يكن ذلك منهم تشكيكاً لأبيهم في صدقهم وإنما عنوا: ولو كنا أهل صدق ما صدقتنا، قاله ابن جرير.

الثاني: معناه وإن كنا قد صدقنا، قاله ابن إسحاق.

قوله عزوجل: { وجاءُوا على قميصه بدمٍ كذب } قال مجاهد: كان دم سخلة. وقال قتادة: كان دم ظبية.

قال الحسن: لما جاءُوا بقميص يوسف فلم ير يعقوب فيه شقاً قال: يا بني والله ما عهدت الذئب حليماً أيأكل ابني ويبقي على قميصه. ومعنى قوله { بدم كذب } أي مكذوب فيه، ولكن وصفه بالمصدر فصار تقديره بدم ذي كذب.

وقرأ الحسن { بدم كذب } بالدال غير معجمة، ومعناه بدم متغير قاله الشعبي.

وفي القميص ثلاث آيات: حين جاءُوا عليه بدم كذب، وحين قُدَّ قميصه من دُبر، وحين ألقي على وجه أبيه فارتد بصيراً.

{ قال بل سوَّلت لكن أنفسكم أمراً } فيه وجهان:

أحدهما: بل أمرتكم أنفسكم، قاله ابن عباس.

الثاني: بل زينت لكم أنفسكم أمراً، قاله قتادة.

وفي ردّ يعقوب عليهم وتكذيبه لهم ثلاثة أوجه:

أحدها: أنه كان ذلك بوحي من الله تعالى إليه بعد فعلهم.

الثاني: أنه كان عنده علم بذلك قديم أطلعه الله عليه.

الثالث: أنه قال ذلك حدساً بصائب رأيه وصدق ظنه.

قال ترضيه لنفسه { فصبر جميل } فاحتمل ما أمر به نفسه من الصبر وجهين: أحدهما: الصبر على مقابلتهم على فعلهم فيكون هذا الصبر عفواً عن مؤاخذتهم.

الثاني: أنه أمر نفسه بالصبر على ما ابتُلي به من فقد يوسف.

وفي قوله: { فصبرٌ جميل } وجهان:

أحدهما: أنه بمعنى أن من الجميل أن أصبر.

الثاني: أنه أمر نفسه بصبر جميل.

وفي الصبر الجميل وجهان: أحدهما: أنه الصبر الذي لا جزع فيه قاله مجاهد.

الثاني: أنه الصبر الذي لا شكوى فيه.

روى حباب بن أبي حبلة قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى { فصبر جميل } فقال: " صبر لا شكوى فيه، ومن بث لم يصبر ".

{ والله المستعان على ما تصفون } فيه ثلاثة أوجه:

أحدها: والله المستعان على الصبر الجميل.

الثاني: والله المستعان على احتمال ما تصفون.

الثالث: يعني على ما تكذبون، قاله قتادة.

قال محمد بن إسحاق: ابتلى الله يعقوب في كبره، ويوسف في صغره لينظر كيف عزمهما.