الرئيسية - التفاسير


* تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُنَآ إِبْرَاهِيمَ بِٱلْبُـشْرَىٰ قَالُواْ سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَآءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ } * { فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُواْ لاَ تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمِ لُوطٍ } * { وَٱمْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَآءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ } * { قَالَتْ يَٰوَيْلَتَىٰ ءَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَـٰذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ } * { قَالُوۤاْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ رَحْمَتُ ٱللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ }

قوله عز وجل: { ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى }. أما إبراهيم ففيه وجهان:

أحدهما: أنه اسم أعجمي، قاله الأكثرون. وقيل معناه أب رحيم.

الثاني: أنه عربي مشتق من البرهمة وهي إدامة النظر.

والرسل جبريل ومعه ملكان قيل إنهما ميكائيل وإسرافيل عليه السلام وروى أبو صالح عن ابن عباس أنه كان المرسل مع جبريل اثني عشر ملكاً.

وفي البشرى التي جاءوه بها أربعة أقاويل:

أحدها: بشروه بنبّوته، قاله عكرمة.

الثاني: بإسحاق، قاله الحسن.

الثالث: بشروه بإخراج محمد صلى الله عليه وسلم من صلبه وأنه خاتم الأنبياء.

الرابع: بشروه بهلاك قوم لوط، قاله قتادة.

{ قالوا سلاماً قال سلامٌ } فيه وجهان:

أحدهما تحية من الملائكة لإبراهيم عليه السلام فحياهم بمثله فدل على أن السلام تحية الملائكة والمسلمين جميعاً.

الثاني: سلمت أنت وأهلك من هلاك قوم لوط.

وقوله { سلام } أي الحمد لله الذي سلّمني، فمعنى سلام: سلمت. وقرأ حمزة والكسائي { سِلم } بكسر السين وإسقاط الألف.

واختلف في السلم والسلام على وجهين: أحدهما: أن السلم من المسالمة والسلام من السلامة.

الثاني: أنهما بمعنى واحد، قال الشاعر، وقد أنشده الفراء لبعض العرب:

وقفنا فقلنا إيه سِلْم فسَلّمَتْ   كما اكتلَّ بالبرْقِ الغمامُ اللوائحُ
{ فما لبث أن جاء بعجل حنيذ } ظنَّ رُسُل ربه أضيافاً لأنهم جاؤُوه في صورة الناس فعجل لهم الضيافة فجاءهم بعجل حنيذ. وفي الحنيذ قولان:

أحدهما: أنه الحار، حكاه أبان بن تغلب عن علقمة النحوي.

الثاني: هو المشوي نضيجاً وهو المحنوذ مثل طبيخ ومطبوخ وفيه قولان:

أحدهما: هو الذي حُفر له في الأرض ثم غُمَّ فيها، قال الشاعر:

اذا ما اعتبطنا اللحم للطالب القِرى   حنذناه حتى عَين اللحم آكله
الثاني: هو أن يوقد عل الحجارة فإذا اشتد حرها ألقيت في جوفه ليسرع نضجه، قال طرفة بن العبد:

لهم راحٌ وكافور ومسكٌ   وعِقر الوحش شائله حنوذ
قوله عز وجل: { فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم } في نكرهم وأنكرهُم وجهان:

أحدهما: أن معناهما مخلتف، فنكرهم إذا لم يعرفهم ونكرهم إذا وجدهم على منكر.

الثاني: أنهما بمعنى واحد، قال الأعشى:

وأنكَرَتْني وما كان الذي نكرت   من الحوادث إلا الشيب والصّلَعا
واختلف في سبب إنكاره لهم على قولين:

أحدهما: أنهم لم يطعموا، ومن شأن العرب إذا نزل بهم ضيف فلم يطعم من طعامهم ظنوا به سوءاً وخافوا منه شراً، فنكرهم إبراهيم لذلك، قاله قتادة. والثاني: لأنه لم تكن لهم أيدي فنكرهم، قاله يزيد بن أبي حبيب. وامتنعوا من طعامه لأنهم ملائكة لا يأكلون ولا يشربون.

{ وَأَْوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً } فيه وجهان:

أحدهما: أضمر في نفسه خوفاً منهم.

السابقالتالي
2 3