الرئيسية - التفاسير


* تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق


{ وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ٱبْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ ٱلْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ ٱلْحَاكِمِينَ } * { قَالَ يٰنُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْئَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّيۤ أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ ٱلْجَاهِلِينَ } * { قَالَ رَبِّ إِنِّيۤ أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِيۤ أَكُن مِّنَ ٱلْخَاسِرِينَ }

قوله عز وجل: { ونادى نوحٌ ربه فقال رَبِّ إنَّ ابني من أهلي } وإنما قال { من أهلي } لأن الله تعالى وعده أن ينجي أهله معه.

{ وإن وعدك الحق } يحتمل وجهين:

أحدهما الذي يحق فلا يخلف.

الثاني: الذي يلزم كلزوم الحق.

{ وأنت أحكم الحاكمين } يعني بالحق: فاحتمل هذا من نوح أحد أمرين: إما أن يكون قبل علمه بغرق ابنه فسأل الله تعالى له النجاة، وإما أن يكون بعد علمه بغرقه فسأل الله تعالى له الرحمة.

قوله عز وجل: { قال يا نوح إنه ليس من أهلك } فيه ثلاثة أقاويل:

أحدها: أنه ولد على فراشه ولم يكن ابنه وكان لغيره رشدة، قاله الحسن ومجاهد.

الثاني: أنه ابن امرأته.

الثالث: أنه كان ابنه، قاله ابن عباس وعكرمة وسعيد بن جبير والضحاك. قال ابن عباس: ما بغت امرأة نبي قط.

وقيل إن اسمه كان كنعان، وقيل بل كان اسمه يام.

قال الحسن: وكان منافقاً ولذلك استعجل نوح أن يناديه فعلى هذا يكون في تأويل قوله تعالى { إنه ليس من أهلك } وجهان:

أحدهما: ليس من أهل دينك وولايتك، وهو قول الجمهور.

الثاني: ليس من أهلك الذين وعدتك أن أنجيهم معك، قاله سعيد بن جبير.

{ إنه عملٌ غير صالحٍ } فيه ثلاثة تأويلات:

أحدها: أن مسألتك إياي أن أنجيه عمل غير صالح، قاله قتادة وإبراهيم وهو تأويل من قرأ عملٌ غير صالح بالتنوين.

والثاني: معناه أن ابنك الذي سألتني أن أنجيه هو عملٌ غير صالحٍ، أي أنه لغير رشدة، قاله الحسن.

والثالث: أنه عملٌ غير صالحٍ، قاله ابن عباس، وهو تأويل من لمن ينون.

{ فلا تسألن ما ليس لك به علمٌ } يحتمل وجهين:

أحدهما: فيما نسبته إلى نفسك وليس منك.

الثاني: في دخوله في جملة من وعدتك بإنجائهم من أهلك وليس منهم.

{ إني أعظُك أن تكون من الجاهلين } يحتمل وجهين:

أحدهما: من الجاهلين بنسبك.

الثاني: من الجاهلين بوعدي لك.

وفي قوله { إني أعظك } تأويلان:

أحدهما: معناه إني رافعك أن تكون من الجاهلين.

الثاني: معناه أني أحذرك ومنه قوله تعالى { يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبداً } أي يحذرّكم.