الرئيسية - التفاسير


* تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ يٰقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّيۤ وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ }

قوله عز وجل: { قَالَ يَا قَوْمِ أَرءَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِن رَّبِّي } فيه وجهان:

أحدهما: يعني على ثقة من ربي، قاله أبو عمران الجوني.

الثاني: على حجة من ربي، قاله عليّ بن عيسى.

{ وَآتَانِي رَحْمَة مِنْ عِنْدِهِ } فيها وجهان:

أحدهما: الإيمان.

والثاني: النبوة، قاله ابن عباس.

{ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ } يعني البينة في قوله { إنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةِ مِن رَبِّي } وإنما قال { فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ } وهم الذين عموا عنها، لأنها خفيت عليهم بترك النظر فأعماهم الله عنها.

وقرأ حمزة والكسائي وحفص { فعميت عليكم } بضم العين وتشديد الميم، وفي قراءة أُبي { فعمّاها } وهي موافقة لقراءة من قرأ بالضم على ما لم يسم فاعله.

وفي الذي عماها على هاتين القراءتين وجهان:

أحدهما: أن الله تعالى عماها عليهم.

الثاني: بوسوسة الشيطان. وما زينه لهم من الباطل حتى انصرفوا عن الحق. وإنما قصد نبي الله نوح بهذا القول لقومه أن يرد عيهم قولهم { وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ } ليظهر فضله عليهم بأنه على بينة من ربه وآتاه رحمة من عنده وهم قد سلبوا ذلك، فأي فضل أعظم منه.

ثم قال تعالى: { أَنُلْزِمْكَمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ } فيها وجهان: أنلزمكم الرحمة، قاله مقاتل.

الثاني: أنلزمكم البينة وأنتم لها كارهون، وقبولكم لها لا يصح مع الكراهة عليها.

قال قتادة والله لو استطاع نبي الله نوح عليه السلام لألزمها قومه ولكنه لم يملك ذلك.