الرئيسية - التفاسير


* تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أُوْلَـٰئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَىٰ رَبِّهِمْ وَيَقُولُ ٱلأَشْهَادُ هَـٰؤُلاۤءِ ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَىٰ رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّالِمِينَ } * { ٱلَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ } * { أُولَـٰئِكَ لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِنْ أَوْلِيَآءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ ٱلْعَذَابُ مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ ٱلسَّمْعَ وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ } * { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } * { لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ هُمُ ٱلأَخْسَرُونَ }

قوله عز وجل: { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً } معناه ومن أظلم لنفسه ممن افترى على الله كذباً بأن يدعي إنزال ما لم ينزل عليه أو ينفي ما أنزل عليه.

{ أُوْلَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ } وهو حشرهم إلى موقف الحساب كعرض الأمير لجيشه، إلا أن الأمير يعرضهم ليراهم وهذا لا يجوز على الله تعلى لرؤيته لهم قبل الحشر.

{ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هؤلاَءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ } والأشهاد جمع، وفيما هو جمع له وجهان:

أحدهما: أنه جمع شاهد مثل صاحب وأصحاب.

والثاني: جمع شهيد مثل شريف وأشراف.

وفي الأشهاد أربعة أقاويل:

احدها: أنه الأنبياء، قاله الضحاك.

الثاني: أنهم الملائكة، قاله مجاهد.

الثالث: الخلائق، قاله قتادة.

الرابع: أن الأشهاد أربعة: الملائكة والأنبياء والمؤمنون والأجساد، قاله زيد بن أسلم.

قوله عز وجل: { الَّذِينَ يَصُّدُونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ } يعني قريشاً.

وفي سبيل الله التي صدوا عنها وجهان:

أحدهما: أنه محمد صلى الله عليه وسلم صدت قريش عنه الناس، قاله السدي.

والثاني: دين الله تعالى، قاله ابن عباس.

{ وَيَبْغُونَها عِوَجاً } فيه ثلاثة أقاويل:

أحدها: يعني يؤمنون بملة غير الإسلام ديناً، قاله أبو مالك.

الثاني: يبغون محمداً هلاكاً، قاله السدي.

الثالث: أن يتأولوا القرآن تاويلاً باطلاً، قاله عليّ بن عيسى.

قوله عز وجل: { لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الأَخْسَرُونَ } فيه ثلاثة أوجه:

أحدها: أن معنى لا جرم: لا بد.

الثاني: أن { لا } عائد على الكفار، أي لا دافع لعذابهم، ثم استأنف فقال: جرم، أي كسب بكفره استحقاق النار، ويكون معنى جرم: كسب، أي بما كسبت يداه، قال الشاعر:

نَصَبنا رأسه في جذع نخل   بما جَرَمت يداه وما اعتدينا
أي بما كسبت يداه.

الثالث: أن { لا } زائدة دخلت توكيداً، يعني حقاً إنهم في الآخرة هم الأخسرون. قال الشاعر:

ولقد طعنت أبا عيينة طعنة   جرمت فزارُة بعدها أن يغضبوا.
أي أحقتهم الطعنة بالغضب.