الرئيسية - التفاسير


* تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ ٱلْفِيلِ } * { أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ } * { وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ } * { تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ } * { فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ }

قوله تعالى: { ألمْ تَرَ كيفَ فَعَلَ ربُّكَ بأصْحابِ الفِيل } فيه وجهان:

أحدهما: ألم تخبر فتعلم كيف فعل ربك بأصحاب الفيل.

الثاني: ألم ترَ آثار ما فعل ربك بأصحاب الفيل، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير أصحاب الفيل.

واختلف في مولده عليه السلام من عام الفيل على ثلاثة أقاويل:

أحدها: أن مولده بعد أربعين سنة من عام الفيل، قاله مقاتل:

الثاني: بعد ثلاث وعشرين سنة منه، قاله الكلبي وعبيد بن عمير.

الثالث: أنه عام الفيل، روي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وروي عنه أنه قال: ولدت يوم الفيل.

واختلف في سبب الفيل على قولين:

أحدهما: ماحكاه ابن عباس: أن أبرهة بن الصباح بنى بيعة بيضاء يقال لها القليس، وكتب إلى النجاشي إني لست منتهياً حتى أصرف إليها حج العرب، فسمع ذلك رجل من كنانة، فخرج إلى القليس ودخلها ليلاً فأحدث فيها، فبلغ ذلك أبرهة فحلف بالله ليسيرن إلى الكعبة فيهدمها، فجمع الأحابيش وجنّد الأجناد، وسار، ودليله أبو رغال، حتى نزل بالمغمّس، وجعل على مقدمته الأسود بن مقصود حتى سبى سرح مكة وفيه مائتا بعير لعبد المطلب قد قلّد بعضها، وفيه يقول عكرمة بن عامر بن هاشم بن عبد مناف:

لأهمّ أخْزِ الأسود بن مقصودِ   الآخذ الهجمة فيها التقليدْ
بين حراء، وثبير فالبيد   يحبسها وفي أُولات التطريدْ
فضمّها إلى طماطم سُودْ   قد أجْمعوا ألا يكون معبودْ.
ويهْدموا البيت الحرام المعمود   والمروتين والمشاعر السودْ
اخْفره يا ربِّ وأنت محمودْ   
وتوجه عبد المطلب وكان وسيماً جسيماً لا تأخذه العين إلى أبرهة، وسأله في إبله التي أخذت، فقال أبرهة: لقد كنت أعجبتني حين رأيتك وقد زهدت الآن فيك، قال: ولم؟ قال: جئت لأهدم بيتاً هو دينك ودين آبائك فلم تكلمني فيه، وكلمتني في مائتي بعير لك، فقال عبد المطلب: الإبل أنا ربها، وللبيت رب سيمنعه، فقال أبرهة: ما كان ليمنعه مني، فقال عبد المطلب: لقد طلبته تبّع وسيف بن ذي يزن وكسرى فلم يقدروا عليه، وأنت ذاك فرد عليه إبله، وخرج عبد المطلب وعاد إلى مكة، فأخبر قريشاً بالتحرز في الجبال، وأتى البيت وأخذ بحلقة الباب وجعل يقول:

لاهمّ إنّ العْبدَ يَمْ   نَعُ رحْلَهُ فامْنَع حَلالَكْ.
لا يَغْلبنّ صَليبُهم   ومحالُهم غَدْواً مِحالكْ.
إنْ كنتَ تاركَهم وقبـ   ـلَتَنا فأمْرٌ ما بدا لَكَ.
المحال: القوة. الثاني: ما حكاه الكلبي ومقاتل يزيد أحدهما وينقص أن فتية من قريش خرجوا إلى أرض الحبشة تجاراً، فنزلوا على ساحل البحر على بيعة النصارى في حقف من أحقافها، قال الكلبي تسمى البيعة ما سرجيان، وقال مقاتل: تسمى الهيكل، فأوقدوا ناراً لطعامهم وتركوها وارتحلوا فهبت ريح عاصف فاضطرمت البيعة ناراً فاحترقت، فأتى الصريخ إلى النجاشي فأخبره، فاستشاط غضباً، وأتاه أبرهة بن الصبّاح وحجر بن شراحبيل وأبو يكسوم الكِنْديون، وضمنوا له إحراق الكعبة وسبي مكة، وكان النجاشي هو الملك، وأبرهة صاحب الجيش، وأبو يكسوم نديم الملك وقيل وزيره، وحجر بن شراحبيل من قواده، وقال مجاهد: أبو يكسوم هو أبرهة بن الصبّاح، فساروا بالجيش ومعهم الفيل، قال الأكثرون: هو فيل واحد، وقال الضحاك: كانت ثمانية فيلة، ونزلوا بذي المجاز، واستاقوا سرح مكة، وفيها إبل عبد المطلب، وأتى الراعي نذيراً فصعد الصفا وصاح: واصباحاه! ثم أخبر الناس بمجيء الجيش والفيل، فخرج عبد المطلب وتوجه إلى أبرهة وسأله في إبله، فردّها مستهزئاً ليعود لأخذها إذا دخل مكة.

السابقالتالي
2 3 4