الرئيسية - التفاسير


* تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } * { صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ }

قوله عز وجل: { اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيم } إلى آخرها.

أما قوله: { اهْدِنا الصِّراطَ المُسْتَقِيمَ } ففيه تأويلان:

أحدهما: معناه أرْشُدْنا ودُلَّنَا.

والثاني: معناه وفقنا، وهذا قول ابن عباس.

وأما الصراط ففيه تأويلان:

أحدهما: أنه السبيل المستقيم، ومنه قول جرير:

أَميرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى صِراطٍ   إذَا اعْوَجَّ الْمَوَارِدُ مُسْتَقِيم
والثاني: أنه الطريق الواضح ومنه قوله تعالى:وَلاَ تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُون } [الأعراف: 86] وقال الشاعر:

...................    فَصَدَّ عَنْ نَهْجِ الصِّرَاطِ الْقَاصِدِ
وهو مشتق من مُسْتَرَطِ الطعام، وهو ممره في الحلق.

وفي الدعاء بهذه الهداية، ثلاثة تأويلات:

أحدها: أنهم دعوا باستدامة الهداية، وإن كانوا قد هُدُوا.

والثاني: معناه زدنا هدايةً.

والثالث: أنهم دعوا بها إخلاصاً للرغبة، ورجاءً لثواب الدعاء. واختلفوا في المراد بالصراط المستقيم، على أربعة أقاويل:

أحدها: أنه كتاب الله تعالى، وهو قول علي وعبد الله، ويُرْوَى نحوه عن النبي صلى الله عليه وسلم.

والثاني: أنه الإسلام، وهو قول جابر بن عبد الله، ومحمد بن الحنفية.

والثالث: أنه الطريق الهادي إلى دين الله تعالى، الذي لا عوج فيه، وهو قول ابن عباس.

والرابع: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخيار أهل بيته وأصحابه، وهو قول الحسن البصري وأبي العالية الرياحي.

وفي قوله تعالى: { الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمُ } خمسة أقاويل: أحدها: أنهم الملائكة.

والثاني: أنهم الأنبياء.

والثالث: أنهم المؤمنون بالكتب السالفة.

والرابع: أنهم المسلمون وهو قول وكيع.

والخامس: هم النبي صلى الله عليه وسلم، ومَنْ معه مِنْ أصحابه، وهذا قول عبد الرحمن بن زيد.

وقرأ عمر بن الخطاب وعبد الله بن الزبير: (صِرَاطَ مَنْ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ)

وأما قوله: { غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ } فقد روى عن عديِّ بن حاتم قال: سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن المغضوب عليهم، فقال: " هُمُ اليَهُود " وعن الضالين فقال: " هُمُ النَّصارى ".

وهو قول جميع المفسرين.

وفي غضب الله عليهم، أربعة أقاويل:

أحدها: الغضب المعروف من العباد.

والثاني: أنه إرادة الانتقام، لأن أصل الغضب في اللغة هو الغلظة، وهذه الصفة لا تجوز على الله تعالى.

والثالث: أن غضبه عليهم هو ذَمُّهُ لهم.

والرابع: أنه نوع من العقوبة سُمِّيَ غضباً، كما سُمِّيَتْ نِعَمُهُ رَحْمَةً.

والضلال ضد الهدى، وخصّ الله تعالى اليهود بالغضب، لأنهم أشد عداوة.

وقرأ عمر بن الخطاب (غَيْرِ الْمغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَغَيْرِ الضَّآلِّين).