الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِذَا زُلْزِلَتِ ٱلأَرْضُ زِلْزَالَهَا } * { وَأَخْرَجَتِ ٱلأَرْضُ أَثْقَالَهَا } * { وَقَالَ ٱلإِنسَانُ مَا لَهَا } * { يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا } * { بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَىٰ لَهَا } * { يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ ٱلنَّاسُ أَشْتَاتاً لِّيُرَوْاْ أَعْمَالَهُمْ } * { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ } * { وَمَن يَعْـمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ }

اعلم أن الزلزلة: الحركة الشديدة، والمراد بها هاهنا: زلزلة تكون عند قيام الساعة.

قال مقاتل: تُزَلْزَل من شدة صوت إسرافيل حتى ينكسر كل ما عليها، ولا تَسْكُنُ حتى تُلقي ما على ظهرها من جبل وبناء وشجر، ثم تتحرك وتضطرب فتخرج ما في جوفها.

وفي قراءة أبي حيوة والجحدري: " زَلْزَالها " بفتح الزاي، فالمكسور مصدر، والمفتوح اسم.

والأثقال: جمع ثِقَل. والمعنى: أخرجت ما فيها من الدَّفَايِن.

قال ابن عباس: أخرجت ما فيها من الموتى.

وقال عطية: كنوزها.

{ وَقَالَ ٱلإِنسَانُ } لما خامره من هول تلك الزلزلة الشديدة مُستعظماً لها: { مَا لَهَا } ، كما يقول يوم البعث:مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا } [يس: 52].

وقيل: هذا قول الكافر؛ لأنه لم يكن مؤمناً بالبعث.

{ يَوْمَئِذٍ } بدل من " إذا " ، وناصبهما: { تُحَدِّثُ } ، ويجوز أن ينتصب " إذا " بمضمر.

والمعنى: تحدث الخلق { أَخْبَارَهَا }.

أخرج الترمذي من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أتدرون ما أخبارها؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: أخبارها أن تشهد على كل عبد وأَمَة بما عَمِلَ على ظهرها، تقول: عمل يوم كذا كذا وكذا ".

والباء في قوله: { بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَىٰ لَهَا } تتعلق بـ " تحدِّث " ، أي: تحدث أخبارها بسبب إيحاء ربك وإلهامه إياها أن تحدث.

{ يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ ٱلنَّاسُ أَشْتَاتاً } أي: يرجعون عن موقف الحساب فِرَقاً فِرَقاً، سعداء وأشقياء، كل فِرْقة على حِدَة { لِّيُرَوْاْ أَعْمَالَهُمْ }.

قال ابن عباس: جزاء أعمالهم.

{ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ } أي: فمن يعمل في الدنيا زِنَة ذرّة، وهي أصغرُ النمل { خَيْراً يَرَهُ } في صحيفة عمله، أو يرى ثوابه.

و " خيراً " و " شراً " تمييزان.

قرأ الكسائي من رواية نصير عنه: " يُرَهُ " بضم الياء فيهما.

وقرأ هشام: " يَرَهْ " بإسكان الهاء في الموضعين.

وقرأ أبو جعفر ويعقوب بخلاف عنهما: بضم الهاء من غير إشباع.

أخبرنا القاضي أبو القاسم عبدالصمد بن محمد بن أبي الفضل الأنصاري، قراءة عليه وأنا أسمع سنة تسع وستمائة، أخبرنا عبدالكريم بن حمزة السلمي الحداد، قراءة عليه وأنا أسمع، أخبرنا عبدالعزيز بن أحمد بن محمد الكتاني الحافظ قال: أخبرنا تمام بن محمد [بن] عبدالله الرازي، أخبرنا خيثمة بن سليمان إملاءً، حدثنا أبو يحيى عبدالله بن أبي [مسرة] بمكة قال: حدثنا خلاد بن يحيى، حدثنا محمد بن زياد، حدثنا ميمون بن مهران، عن ابن عباس: " أن عائشة رضي الله عنها أتتها امرأة مشتملة على يمينها قد شُلَّتْ، لا تنتفع بها، فقالت لها عائشة: [ما لكِ]؟ قالت: أخبرك بالعجب، كان أبي معطاءً كثير المعروف، وكانت أمي امرأة مُمْسِكَةً، لا يكاد يخرج من يدها خير، فمات أبي قبلها بزمان، ثم ماتت هي بعد، فعرج بروحي، فخرجت فإذا أنا بأبي قائم على حوض يسقي من أقْبَلَ وأدْبَرَ، فقلت: يا أبَه، هل جاءتكم أمي؟ قال: وقد قُبضت؟ قلت: نعم، قال: ما جاءتنا، ولكن التمسيها في ذات الشمال، قالت: فخرجت فإذا أنا بها قائمة عريانة ليس عليها إلا خريقة [وَارَتْ] بها عورتها، وفي يديها شُحَيْمَة تَدْلُك بها راحتها، كلما نديت لَحَسَتْها، وبين يديها نهر يجري، وهي تنادي: وا عطشاه وا عطشاه، فقلت لها: يا أماه، ما لكِ؟ قالت: أي بنية، دعيني فإني لم أقدّم لنفسي خيراً قط غير هذه الخرقة، وهذه الشُّحَيْمَة، فقلت لها: ما يمنعك من هذا الماء أن تشربي منه، قالت: لا أُتْرَكُ وإياه، فقلت لها: أفلا أسقيك؟ قالت: بلى، فغرفتُ غَرفةً بيدي فسقيتها، فنادى مُناد من السماء: [شُلَّتْ] يمين من سقاها، فاستيقظت وأنا كما ترين، فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم من المسجد قصّت عليه القصة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يعمل مثقال ذرة خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره ".


السابقالتالي
2