الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } * { وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ } * { ٱلَّذِيۤ أَنقَضَ ظَهْرَكَ } * { وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ } * { فَإِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً } * { إِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً } * { فَإِذَا فَرَغْتَ فَٱنصَبْ } * { وَإِلَىٰ رَبِّكَ فَٱرْغَبْ }

قال الله تعالى: { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } هذا استفهام في معنى التقرير، أي: قد فعلنا ذلك.

والمعنى: فتحناه وفسحناه حتى احتمل أثقال النبوة، ودعوة الثقلين، والصبر عليهم، ووسِع ما استودعناك من العلم والحلم واليقين والرضا.

{ وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ } قال ابن عباس: حططنا عنك إثمك الذي سلف منك في الجاهلية، كقوله:لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ } [الفتح: 2].

قال الزجاج: { ۤ أَنقَضَ ظَهْرَ }: أثقله حتى سمع له نقيض، أي: صوت. وهذا مَثَلٌ معناه: أنه لو كان حِمْلاً يُحمل لسُمِعَ نقيض ظهره.

وقيل: هذا إشارة إلى تخفيف أعباء النبوة عليه، وتسهيل نهوضه بها.

{ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ } بما خصصناك به من أنواع الكرامة والفضل.

وروى أبو سعيد الخدري: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل جبريل عليه السلام عن هذه الآية، فقال: قال الله عز وجل: إذا ذُكرتُ ذُكرتَ معي ".

قال قتادة: فليس خطيبٌ، ولا متشهّد، ولا صاحب صلاة، إلا يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. وهذا قول جمهور المفسرين.

وقيل: رفعنا لك ذكْرك في السماء.

وقيل: بأخذ الميثاق على الأنبياء وأممهم أن يؤمنوا بك ويُقرّوا بفضلك.

قوله تعالى: { فَإِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً } وجه ارتباطه بما قبله: أن المشركين أولِعُوا باحتقار الرسول والمؤمنين لأجل فقرهم، حتى قالوا:أَوْ يُلْقَىٰ إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا } [الفرقان: 8]، فقرَّرَه بهذه النعم الجسيمة المخصوصة به، ثم قال: { إِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً } أي: إن مع العسر الذي أنتم فيه يسراً. المعنى: [فلا] تيأسوا من فضلي.

ثم كرر ذلك فقال: { إِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً }.

قال ابن عباس: يقول الله تعالى: خلقتُ عسراً واحداً وخلقتُ يُسْرَين، فلن يغلبَ عسرٌ يُسْرَين.

وقال ابن مسعود: لو أن العسر دخل في جُحْر لجاء اليسر حتى يدخل معه، قال الله تعالى: { فَإِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً }.

ويحكى عن العتبي قال: كنت ذات ليلة في البادية بحالة [من الغم]، فألقي في روعي بيت شعر فقلت:
أرى الموتَ لمن أصبح   مَغْمُوماً له رَوَّح
فلما جَنَّ الليل سمعتُ هاتفاً يهتف من السماء، يقول:
ألا أيها المرءُ الـ   ـذي الهَمُّ به بَرَّح
وقدْ أنشدَ بيتاً لم   يزلْ في فِكْرِه يَسْنَح
إذا اشتدَّ بكَ [العسر]   فَفَكِّر في " ألمْ نَشْرَح "
فَعُسْرٌ بين يُسْرَين   إذا أبْصَرْتَهُ فافرَح
قال: فحفظتُ الأبيات، وفرّج الله تعالى غَمِّي.

فإن قيل: هذه الآثار وأقوال المفسرين متطابقة على أن العسر واحد واليسر اثنان، وفي ظاهر التلاوة عسران ويسران؟

قلتُ: هو عسرٌ واحد؛ لأنه مذكور بلفظ التعريف.

قال الفراء: العربُ إذا ذكَرَت نكرة ثم أعادت بنكرةٍ مثلِها صارتا اثنتين، كقولك: إذا اكتسبت درهماً فأنفق درهماً، فالثاني غير الأول، وإذا أعادتها معرفةً فهي هي، كقولك: إذا اكتسبت درهماً فأنفق الدرهم، فالثاني هو الأول.

السابقالتالي
2