الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱلضُّحَىٰ } * { وَٱللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ } * { مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ } * { وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ ٱلأُولَىٰ } * { وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ } * { أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَىٰ } * { وَوَجَدَكَ ضَآلاًّ فَهَدَىٰ } * { وَوَجَدَكَ عَآئِلاً فَأَغْنَىٰ } * { فَأَمَّا ٱلْيَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ } * { وَأَمَّا ٱلسَّآئِلَ فَلاَ تَنْهَرْ } * { وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ }

وفي الصحيحين من حديث جندب قال: " قالت امرأة من قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أرى شيطانك إلا قد ودَّعك، فنزلت: { وَٱلضُّحَىٰ * وَٱللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ } ".

والمرأة: هي أم جميل، امرأة أبي لهب.

والمراد بالضحى: وقت الضحى، وهو صدر النهار.

وقال الفراء: النهارُ كلُّه.

وقرَّره غيره بقوله:أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى } [الأعراف: 98] في مقابلة قوله: { بَيَٰتاً }.

{ وَٱللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ } قال ابن عباس: أظلم.

وقال قتادة: سكن، يعني: استقر ظلامه، فلا يزداد بعد ذلك.

وقال الأصمعي: سُجُوُّ الليل: تغطية النهار.

وقال الزمخشري: " سجى ": سَكَنَ ورَكَدَ ظلامه.

وقيل: ليلةٌ ساجيةٌ: ساكنة الريح.

وقيل: معناه: سكون الناس والأصوات فيه. وسجا البحر: سكنت أمواجه. وطرفٌ ساجٍ: فاتر.

قوله تعالى: { مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ } جواب القسم. ومعناه: ما قَطَعَكَ قَطْعَ المودّع.

وقال أبو عبيدة: " ما ودّعك ": من التوديع، كما يُودّع المفارق.

وقرأتُ على الشيخين أبي البقاء وأبي عمرو رحمهما الله ليعقوب [الحضرمي] من رواية أبي حاتم عنه: " وَدَعَكَ " بالتخفيف، وهي قراءة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، على معنى: ما تركك. كقول الشاعر:
وثمَّ وَدَعْنا آلَ عمْرٍو وعَامِرٍ   .........................
{ وما قلى } أي: أبغض، يقال: قَلاَهُ يَقْلِيه قِلَىً.

قال الزجاج: المعنى: وما قلاك، كما قال:وَٱلذَّاكِـرِينَ ٱللَّهَ كَثِيراً وَٱلذَّاكِرَاتِ } [الأحزاب: 35]، المعنى: والذاكراته.

ولما كان قوله: { مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ } مؤذناً بمكانته عند الله، وأنه مُواصِلُهُ ومُحِبُّهُ، وهذا نهاية ما يكون من الكرامة قال: { وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ ٱلأُولَىٰ } أي: ما أعددتُ لك فيها من الكرامة وقُرْب المنزلة أعظم وأكمل مما أعطيتك في الدنيا.

{ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ } قال علي عليه السلام: هو الشفاعة في أمته حتى يرضى.

وقيل: استعلاؤه وظهور دينه على سائر الأديان.

قوله تعالى: { أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَىٰ } أي: ضَمَّك إلى عمك أبي طالب، وعطفه عليك، حتى كنتَ آثَرَ عنده من ولَدِه.

{ وَوَجَدَكَ ضَآلاًّ } عن معالم النبوة وشرائع الدين { فَهَدَىٰ } أي: أرشدك إليها، كما قال:مَا كُنتَ تَدْرِي مَا ٱلْكِتَابُ وَلاَ ٱلإِيمَانُ } [الشورى: 52].

وقال سعيد بن المسيب: لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم مع ميسرة -غلام خديجة- إلى الشام أخذ إبليس بزمام ناقته فَعَدَلَ به عن الطريق، فجاء جبريل فنفخ إبليسَ نفخةً وقع منها إلى الحبشة، وردَّه إلى القافلة، فامتنَّ الله عليه بذلك.

وقيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم ضَلَّ وهو صغير في شِعاب مكة، فردَّه الله على يدي عدوه أبي جهل إلى عمه.

وقرأ الحسن بن علي عليهما السلام: " ووجدك ضَالٌ " بالرفع، على معنى: وجدك شخص ضَالٌّ فاهتدى بك، ويكون التنكير هاهنا للتكثير، كما قرّر في

السابقالتالي
2