الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱلْلَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ } * { وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ } * { وَمَا خَلَقَ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ } * { إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ } * { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَٱتَّقَىٰ } * { وَصَدَّقَ بِٱلْحُسْنَىٰ } * { فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ } * { وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَٱسْتَغْنَىٰ } * { وَكَذَّبَ بِٱلْحُسْنَىٰ } * { فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ } * { وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّىٰ }

قال الله تعالى: { وَٱلْلَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ } قال ابن عباس: يغشى بظلمته النهار.

وقال الزجاج: يغشى الأفق، ويغشى جميعَ ما بين السماء والأرض.

{ وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ } ظهر بزوال ظلمة الليل.

قال قتادة: هما آيتان عظيمتان يُكورهما الله تعالى على الخلائق.

قوله تعالى: { وَمَا خَلَقَ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ } القول في " ما " هاهنا كالقول فيوَمَا بَنَاهَا } [الشمس: 5].

أخبرنا الشيخان أبو القاسم أحمد بن عبدالله السلمي وأبو الحسن علي بن أبي بكر البغداديان قالا: أخبرنا عبدالأول بن عيسى بن شعيب، أخبرنا أبو الحسن عبدالرحمن بن محمد الداودي، أخبرنا عبدالله بن أحمد بن حمويه السرخسي، أخبرنا محمد بن يوسف الفربري، حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري، حدثنا قبيصة بن عقبة، حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة قال: " دخلتُ في نفر من أصحاب عبد الله الشام، فسمع بنا أبو الدرداء فأتانا فقال: أفيكم من يقرأ؟ فقلنا: نعم. قال: فأيكم أقرأ؟ فأشاروا إليّ، فقال: اقرأ، فقرأت: { وَٱلْلَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ * وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ * وَمَا خَلَقَ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ } قال: أنت سمعتها من صاحبك؟ قلت: نعم. قال: وأنا سمعتها من فِيّ النبي صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء يأبون علينا ".

قال البخاري: وحدثنا عمر قال: حدثنا أبي، حدثنا الأعمش، عن إبراهيم قال: " قدم أصحاب عبد الله على أبي الدرداء فطلبهم فوجدهم، فقال: أيكم يقرأ على قراءة عبد الله؟ قال: كلنا. قال: فأيكم أحفظ، فأشاروا إلى علقمة، قال: كيف سمعته يقرأ: { وَٱلْلَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ }؟ قال علقمة: { ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ } قال: أشهد أني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرؤها كذا، وهؤلاء يريدوني على أن أقرأ: { وَمَا خَلَقَ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ } ، والله لا أتابعهم ".

وفي المراد بالذكر والأنثى قولان:

أحدهما: أنه آدم وحواء. قاله الأكثرون.

والثاني: أنه عام. حكاه الماوردي.

وجواب القسم: { إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ }.

قال ابن عباس: إن أعمالَكم لمختلفة؛ عملٌ للجنة، وعملٌ للنار.

وقال الزجاج: سعيُ المؤمن والكافر مختلف، بينهما بُعْد.

وفي سبب نزول هذه السورة قولان:

أحدهما: أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه اشترى بلالاً من أمية بن خلف وأبيّ بن خلف ببردةٍ وعشر أَوَاق، فأعتقه [لله] عز وجل، فأنزل الله عز وجل هذه السورة إلى قوله: { إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ } يعني: سعي أبي بكر وأمية وأبيّ. قاله عبد الله بن مسعود.

الثاني: أن رجلاً كانت له نخلة، فَرْعُها في دار رجل فقير ذي عيال، وكان الرجل إذا صعد النخلة يجتنيها، ربما سقطت منه التمرة فيأخذها صبيان الفقير، فينزل الرجل من نخلته فيأخذ التمرة من أيديهم، فإن وجدها في فم أحدهم أدخل أصبعه في فيه حتى يخرجها، فشكا ذلك الرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم صاحب النخلة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: تُعطني نخلتك التي في دار فلان ولك بها نخلة في الجنة، فقال الرجل: إن لي نخلاً وما فيه نخلة أعجبُ إليّ منها، ثم ذهب الرجل، فقال رجل ممن سمع ذلك الكلام: يا رسول الله! أتعطيني نخلة في الجنة إن أنا أخذتها؟ قال: نعم، فذهب الرجل فلقي صاحب النخلة، فساومها منه، فقال [له]: أشعرت أن محمداً صلى الله عليه وسلم أعطاني بها نخلة في الجنة؟ فقلت له: ما لي نخلة أعجب إليّ منها، فقال له: أتريد بيعها؟ قال: لا، إلا أن أعطى بها ما لا أظنه أعطى، قال: ما مُناك؟ قال: أربعون نخلة، فقال: أنا أعطيك أربعين نخلة، وأشهد له أناساً، [ثم ذهب] إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن النخلة قد صارت في ملكي وهي لك، فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صاحب الدار فقال: النخلة لك ولعيالك، فأنزل الله عز وجل: { وَٱلْلَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ } إلى قوله: { إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ }.

السابقالتالي
2 3