الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ لاَ أُقْسِمُ بِهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ } * { وَأَنتَ حِلٌّ بِهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ } * { وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ } * { لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ فِي كَبَدٍ } * { أَيَحْسَبُ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ } * { يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالاً لُّبَداً } * { أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ } * { أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ } * { وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ } * { وَهَدَيْنَاهُ ٱلنَّجْدَينِ }

قال الله تعالى: { لاَ أُقْسِمُ بِهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ } وقرأ عكرمة ومجاهد وأبو عمران وأبو العالية: " لأقسم ". وقد ذكرنا توجيه القراءتين في أول القيامة.

أقسم الله تعالى بالبلد الحرام، وهو مكة شرفها الله تعالى، وبما بعده، على أن الإنسان خلق مغموراً في مكابدة المشاقّ والشدائد، واعترض بين القسم والمقسم عليه بقوله: { وَأَنتَ حِلٌّ بِهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ }.

واختلفوا في معنى: " وأنت حِل "؛ فقال ابن عباس ومجاهد وجمهور المفسرين: المعنى: وأنت يا محمد في المستقبل من الزمان، ونظيره:إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيِّتُونَ } [الزمر: 30] حلال بهذا البلد، تصنع فيه ما تشاء، من قتل وأسر، فيكون خارجاً مخرج البشارة له، بأنه سيفتح عليه، فيكون [فيه] حِلاًّ، فظهر أثر ذلك يوم الفتح، وأحله له ساعة من النهار، فقتل ابن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة، ومقيس بن صبابة، وغيرهما. ثم قال: " إن الله حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض، فهي حرام إلى أن تقوم الساعة، لم تحل لأحد قبلي، ولن تحل لأحد بعدي، ولم تحل لي إلا ساعة من نهار ".

ويحتمل عندي على هذا القول: أن تكون الواو في " وأنْتَ " حاليّة، فيكون مُقْسِماً بالبلد الحرام على أكمل أوصافه، وأحسن أحواله، مُطهَّراً من الأصنام وعابديها، مُحَلَّى بزينة أهل الإيمان، فإنه لما ظهر النبي صلى الله عليه وسلم على مكة وجد حول الكعبة ثلاثمائة وستين صنماً، فجعل يطعن فيها ويقول: " جاء الحق وزهق الباطل، جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد " ، وأذّن بلال على الكعبة رافعاً صوته بقوله: " أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله " ، فنال منهم ذلك كل منال، وأعزّ الله دين الإسلام في ذلك اليوم، وأذلّ سلطان الشرك.

وقيل: المعنى: وأنت حِلٌّ عند المشركين، يستحلون أذاك وقتلك وإخراجك، ويحرّمون قتل الصيد.

فإن قيل: ما فائدة الاعتراض بقوله: { وَأَنتَ حِلٌّ بِهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ } على ما قاله المفسرون؟

قلتُ: فائدته على القول الأول: ما أشرتُ إليه من البشارة بأنه سيُفتح عليه هذا البلد العظيم، الذي وقع القسم به، ويَحكم فيه وعلى أهله بما يشاء.

وفائدته على القول الآخر: ذَمُّ المشركين حيث استحلوا مثل محمد صلى الله عليه وسلم في بلد من شأنه أن الله أقسم به، والإعلام بأن مثله صلى الله عليه وسلم في مثل هذا البلد الحرام ما خلا من مكابدة الشدائد، فيكون ذلك خارجاً مخرج التقرير والتحقيق لما أقسم الله عليه من خلق الإنسان في كبد.

فإن قيل: هلاّ اكتفى بالكناية عن البلد فقال: " وأنت حِلٌّ به "؟

قلتُ: كرره تفخيماً لشأنه، كقول الشاعر:

السابقالتالي
2 3