الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَلاَ ٱقتَحَمَ ٱلْعَقَبَةَ } * { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْعَقَبَةُ } * { فَكُّ رَقَبَةٍ } * { أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ } * { يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ } * { أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ } * { ثُمَّ كَانَ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلصَّبْرِ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلْمَرْحَمَةِ } * { أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْمَيْمَنَةِ } * { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ ٱلْمَشْأَمَةِ } * { عَلَيْهِمْ نَارٌ مُّؤْصَدَةٌ }

قوله تعالى: { فَلاَ ٱقتَحَمَ ٱلْعَقَبَةَ } الاقتحام: الدخول بشدة. وقد فسرناه في صاد.

والعقبة: مَثَلٌ ضربه الله تعالى لمجاهدة النفس والهوى والشيطان.

وقال الحسن: عقبةٌ والله شديدةٌ، مجاهدة الإنسان نفسه وهواه وعدوّه الشيطان. وهذا معنى قول قتادة وابن زيد وكثير من المفسرين، وإليه ميلُ أهل المعاني.

وللمفسرين في العقبة أقوال:

أحدها: [أنها] جبل في جهنم. قاله ابن عمر.

الثاني: سبعون [دركة] في جهنم. قاله كعب الأحبار.

الثالث: عقبة دون الجسر. يُروى عن الحسن.

فإن قيل: العرب لا تكاد تتكلم بصيغة " لا " الداخلة على الماضي إلا مكررة، كقوله:فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صَلَّىٰ } [القيامة: 31]، فما لها لم تتكرر هاهنا؟

قلتُ: هي مكررة في المعنى؛ لأن معنى: { فَلاَ ٱقتَحَمَ ٱلْعَقَبَةَ }: لا فَكَّ رقبة، ولا أطْعَمَ مسكيناً. فكأنه قال: لا فعل ذا ولا ذا ولا ذا. قاله الفراء والزمخشري، وأشار إليه الزجاج.

قوله تعالى: { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْعَقَبَةُ } قال سفيان بن عيينة: كل ما فيه " وما أدراك " فقد أخبره به، وكل ما فيه " وما يدريك " فإنه لم يخبره به.

قوله تعالى: { فَكُّ رَقَبَةٍ } قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي: " فَكَّ " بفتح الكاف، " رقبةً " بالنصب، " أو أطْعَمَ " على صيغة الفعل الماضي، على الإبدال من قوله: " اقتحم العقبة ". وقرأ الباقون: " فَكُّ " بضم الكاف، " رقبةٍ " بالجر على الإضافة، " أو إطعامٌ " ، على معنى: هي فك رقبة أو إطعام في يوم ذي مسغبة.

ومعنى فك الرقبة: تخليصها من أسْر الرقّ.

وفي الحديث: " أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! علمني عملاً يُدخلني الجنة. قال: إن كنت أقصرت الخطبة، لقد أعرضت المسألة، أعتق النسمة وفكّ الرقبة. فقال: أو ليسا واحداً؟ قال: لا، عتق النسمة: أن تنفرد بعتقها. وفك الرقبة: أن تُعين في ثمنها ".

قوله تعالى: { ذِي مَسْغَبَةٍ } أي: مجاعة.

ووصف اليوم بالمجاعة نحو قولهم: همٌّ ناصبٌ، وليلٌ نائمٌ، ونهارٌ صائمٌ.

وقرأ الحسن وأبو رجاء: " ذا مسغبة " ، على معنى: أطعم في يوم من الأيام شخصاً ذا مجاعة.

وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: " من موجبات المغفرة: إطعام السغبان ".

قوله تعالى: { يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ } أي: ذا قرابة.

قال الزجاج: تقول: زيد ذو قرابتي، وذو مقربتي. وزيد قرابتي قبيح؛ لأن القرابة: المصدر. قال الشاعر:
يبكْي الغريبُ عليه ليسَ يعرفُه   وذوا قَرابتِهِ في الحيِّ مسرُور
{ أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ } يقال: تَرِبَ الرجل؛ إذا افتقر، وأترب؛ إذا استغنى، أي: صار ذا مال كالتراب في الكثرة.

السابقالتالي
2