قوله تعالى: { ٱلأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً } قال ابن عباس: نزلت في أعاريب أسد وغطفان وأعراب حول المدينة. والمعنى: أشد كفراً ونفاقاً من أهل الحضر ممن هو على مثل رأيهم؛ لأنهم أقسى قلوباً وأجفى طباعاً. ومن الحديث المخرج في الصحيحين من حديث أبي مسعود البدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ألا إن القسوة وغلظ القلوب في الفَدَّادِين عند أصول أذناب الإبل ". { وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ } أي: أحق وأولى أن لا يعلموا حدود { مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ } لأنهم [أبعد عن] العلم والحكمة، ولذلك شبهوا بالموتى. ومنه قول معاوية: " أهل الكُفُور هم أهل القبور ". والكُفُور: جمع، واحده: كَفْر، وهو القرية. يقول: إن أهل القرى الذين لا يسكنون المدن هم الموتى؛ لأنهم لم يستضيئوا بنور العلم وسماع القرآن والحديث، فهم موتى من هذا الوجه. قوله تعالى: { وَمِنَ ٱلأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَماً } يعني: في الصدقة والغزو وغيرهما مما ينفق في جهة القربة إلى الله، " مغرماً " يعني: غرامة وخسراناً، والغرامة: التزام ما لا يلزم، { وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ ٱلدَّوَائِرَ } يعني: دوائر الزمان من ظهور أعدائكم عليكم، أو قتل نبيكم، أو موته ليتخلصوا من الإنفاق والنفاق. { عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ ٱلسَّوْءِ } قرأ ابن كثير وأبو عمرو: " السُّوء " بضم السين، وقرأ الباقون بفتحها. قال الفراء: من فَتَحَ أراد المصدر، من سُؤْتُهُ [سُوْءاً] ومَسَاءَةً. ومن رَفَعَ السين جعله اسماً؛ كقولك: دائرة السّوء: البلاء والعذاب. ولا يجوز ضم السين في قوله:{ مَا كَانَ أَبُوكِ ٱمْرَأَ سَوْءٍ } [مريم: 28]، ولا في قوله:{ وَظَنَنتُمْ ظَنَّ ٱلسَّوْءِ } [الفتح: 12]، [لأنه] ضد؛ كقولك: رجل صدق. وليس للسوء هاهنا معنى في عذاب ولا بلاء فيُضَمّ. وهذا إخبار من الله تعالى. المعنى: عليهم تدور الدوائر بما يكرهونه. وقيل: هو دعاء معترض؛ كقوله:{ وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ يَدُ ٱللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ } [المائدة: 64]. { وَٱللَّهُ سَمِيعٌ } لأقوالهم، { عَلِيمٌ } بنياتهم وأفعالهم. قوله تعالى: { وَمِنَ ٱلأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } قال ابن عباس: هم من أسلم من الأعراب، مثل: جهينة وأسلم وغفار. { وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ } في الجهاد والصدقة وغيرهما من النفقات التي يرجى بها نفع المثوبة ودفع العقوبة، { قُرُبَاتٍ عِندَ ٱللَّهِ } يتوصل بها إلى مرضاته، ويتوسل بها إلى جناته. و " قُرُبات ": مفعول ثان لـ " يَتَّخِذُ " ، وهو جمع قُربة، بسكون الراء وضمها. { وَصَلَوَاتِ ٱلرَّسُولِ } استغفاره ودعاؤه؛ كقوله صلى الله عليه وسلم: " اللهم صَلِّ على آل أبي أوفى ". { أَلاۤ إِنَّهَا } صلوات الرسول. وقيل: النفقة { قُرْبَةٌ لَّهُمْ }. وقرأتُ على شيخي أبي البقاء اللغوي للمُفَضَّل وأبان عن عاصم وإسماعيل بن جعفر ووَرْش عن نافع: " قرُبة " ، بضم الراء على الأصل. قال ابن عباس: المعنى: ألا إنها نور لهم ومكرمة عند الله تعالى. { سَيُدْخِلُهُمُ ٱللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ } أي: في جنته.