الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَرِحَ ٱلْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ ٱللَّهِ وَكَرِهُوۤاْ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي ٱلْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ } * { فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيراً جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ }

قوله تعالى: { فَرِحَ ٱلْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ ٱللَّهِ } وهم الذين تخلفوا بالمدينة عن غزاة تبوك.

فإن قيل: اللفظ مشعر بمخلِّف، فمن هو؟

قلت: هو الله الذي خذلهم وسلبهم التوفيق، أو الرسول حين أذن لهم في التَّخَلُّفِ أو الفشل والكسل، والشيطان بوسوسته وتزيينه.

قوله: " بمقعدهم " مصدر كالقعود، " خلاف رسول الله " أي: خلفه.

وفي قراءة ابن مسعود: " خَلْفَ رسول الله " ، ومثله: " ثم لا يلبثون خَلْفَكَ " و " خِلاَفَكَ " ، والمعنى واحد. قال الشاعر:
فَقُلْ لِلَّذي يَبْغِي خِلافَ الَّذِي مَضَى     تَهَيَّأْ لأُخْرَى مِثْلَها فَكَأَنْ قَدِ
وقيل: هو بمعنى المخالفة، فانتصابه على هذا على الحال، أو هو مفعول له. أي: فرحوا بمقعدهم مخالفين أو للمخالفة.

{ وَكَرِهُوۤاْ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } لأنهم لا يرجون بالجهاد ثواباً، ولا يخافون بتركه عقاباً، { وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي ٱلْحَرِّ } أي: قال بعضهم لبعض. ويجوز أن يكونوا قالوا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين على معنى إظهار الشفقة والإرشاد إلى المصلحة.

{ قُلْ } لهم يا محمد: { نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً } من حر الدنيا.

وفي قوله: { لو كانوا يفقهون } استجهال لهم، حيث آثروا لذة حائلة، [وراحة] زائلة، يستلزم إيثارها الاشتمال في الدنيا بالعار، والاصطلاء في الآخرة بالنار.

قوله تعالى: { فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيراً } خبر جاء بلفظ الأمر، إشعاراً بتحتمه وكونه لا محالة، والتقدير: يضحكون قليلاً في الدنيا، ويبكون كثيراً في النار.

وقال ابن عباس: إن أهل النفاق ليبكون في النار عُمر الدنيا لا يَرْقَأ لهم دمع.

وقال أبو موسى: إن أهل النار ليبكون الدموع في النار، حتى لو أُجْرِيَتْ السفن في دموعهم لَجَرَتْ، ثم إنهم ليبكون الدم بعد الدموع، فلمثل ما هم فيه فليبكَى.

قرأتُ على الشيخ أبي المجد محمد بن الحسين القزويني، أخبركم الإمام أبو منصور محمد بن أسعد الطوسي فأقرَّ به، قال: حدثنا الإمام أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي، أخبرنا محمد بن عبدالله بن أبي توبة، أخبرنا محمد بن أحمد الحارث، أخبرنا محمد بن يعقوب، أخبرنا عبدالله بن محمود، أخبرنا إبراهيم بن عبدالله الخلال، حدثنا عبدالله بن المبارك، عن عمران بن زيد، حدثنا يزيد الرقاشي، عن أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " يا أيها الناس ابكوا، فإن لم تستطيعوا فتباكوا، فإن أهل النار يبكون في النار حتى تسيل دموعهم في وجوههم كأنها جداول حتى تنقطع الدموع، فتسيل الدماء مثل العيون، فلو أن سُفُناً أُجْرِيَتْ فيها لَجَرَتْ ".