الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ٱلَّذِينَ يَلْمِزُونَ ٱلْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ ٱللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }

قوله تعالى: { ٱلَّذِينَ يَلْمِزُونَ ٱلْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ } أخرجا في الصحيحين من حديث أبي مسعود البدري رضي الله عنه قال: " لما نزلت آية الصدقة كنا نحامل على ظهورنا، فجاء رجل فتصدق بشيء كثير فقالوا: مُراءٍ، وجاء رجل فتصدق بصاع فقالوا: إن الله لغني عن صاع هذا، فنزلت: { ٱلَّذِينَ يَلْمِزُونَ ٱلْمُطَّوِّعِينَ... الآية } ".

قال أهل التفسير: " حض النبي صلى الله عليه وسلم يوماً على الصدقة، فجاء عبدالرحمن بن عوف بأربعين أوقية من ذهب، وقيل: بنصف ماله وكان ثمانية آلاف، فقال: يا رسول الله، كان لي ثمانية آلاف أقرضت ربي نصفها، وتركت لعيالي نصفه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بارك الله فيما أعطيت وفيما أمسكت، فبارك الله له حتى صولحت زوجته تماضر عن ربع الثُّمُن، وكان خلف أربع زوجات، على ثمانين ألفاً ".

وجاء عاصم بن عدي بمائة وسق من تمر، واعتذر إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قلّته.

وجاء رجل من -الأنصار قيل: هو أبو خيثمة، وقيل: أبو عقيل بن قيس- بصاع واحد، وقال: يا رسول الله تركت لعيالي مثله، فلمزهم المنافقون قالوا: ما أعطى عبد الرحمن وعاصم بن عدي إلا رياء وسمعة، وإن كان الله ورسوله لغنيين عن صاع أبي عقيل، ولكنه أحب أن يُذَكِّرَ بنفسه ليعطى من الصدقات، فأنزل الله: { ٱلَّذِينَ يَلْمِزُونَ ٱلْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ... } الآية.

قوله تعالى: { ٱلَّذِينَ } نصب على الذم، أو رفع، على معنى: هم الذين، أو جر على البدل من الضمير في " سرهم ونجواهم ".

{ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ } يعني: طاقتهم، والجَهْد -بالفتح-: المشقة. وقيل: هما لغتان بمعنى واحد.

{ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ ٱللَّهُ مِنْهُمْ } أي: جازاهم على سخريتهم بهم حيث صاروا إلى النار، { وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } بما أضمروا من النفاق وأظهروا من لمز المؤمنين على الإنفاق.

وفي الحديث: " أن رجلاً قال: يا رسول الله، أي الصلاة أفضل؟ قال: طول القنوت. قال: فأي الصدقة أفضل؟ قال: جهد المقل. قال: فأي المؤمنين أكمل إيماناً؟ قال: أحسنهم خلقاً ".