الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَمِنْهُمْ مَّنْ عَاهَدَ ٱللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلصَّالِحِينَ } * { فَلَمَّآ آتَاهُمْ مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُمْ مُّعْرِضُونَ } * { فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَآ أَخْلَفُواْ ٱللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ } * { أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ ٱللَّهَ عَلاَّمُ ٱلْغُيُوبِ }

قوله تعالى: { وَمِنْهُمْ مَّنْ عَاهَدَ ٱللَّهَ... } الآية ذهب عامة المفسرين إلى أنه ثعلبة بن حاطب الأنصاري.

وذكر الإمام أبو الفرج بن الجوزي رضي الله عنه قولاً آخر: أنه رجل من بني عمرو بن عوف، وقال: قاله ابن السائب عن أبي صالح عن ابن عباس.

قال ابن السائب: والرجل حاطب بن أبي بلتعة بن حاطب بن عمرو بن عبيد بن أمية بن زيد بن مالك بن عمرو بن عوف.

وقول ابن السائب: هو حاطب بن أبي بلتعة، إن أراد به أن الرجل الذي من بني عمرو بن عوف هو حاطب بن أبي بلتعة، فهو قول باطل، لأن حاطباً من ولد نجم بن عدي، وقيل: إنه من مذحج، وقيل: بل كان عبداً لعبيد الله بن حميد من ولد أسد بن عبدالعزى.

والأكثرون قالوا: هو حليف لبني أسد بن عبد العزى.

وإن لم يرد هذا؛ بل قال قولاً مستأنفاً أن الآية نزلت فيه، فهو قول فاسد لا محالة؛ لأن حاطباً كان مؤمناً مخلصاً لا [مغمز] فيه، وقد شهد الله له بالإيمان في قوله:يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ } [الممتحنة: 1]. وستأتي إن شاء الله قصته وما قاله النبي صلى الله عليه وسلم فيه عند تفسير هذه الآية.

وهذه الآية التي في هذه السورة شاهدة للذي أنزلت فيه بالنفاق إلى يوم التلاق. وكان من حديث ثعلبة على ما أخبرنا به أبو الحسن المؤيد بن محمد بن علي الطوسي في كتابه، قال: أخبرنا عبد الجبار بن محمد بن أحمد الخواري البيهقي، أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد النيسابوري، أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن محمد بن الفضل، حدثنا أبو عمرو محمد بن جعفر بن مطر، أخبرنا أبو عمران موسى بن سهل الجوني، حدثنا هشام بن عمار، حدثنا محمد بن شعيب، حدثنا [معان] بن رفاعة السلامي، عن أبي عبدالملك علي بن يزيد، أنه أخبره عن القاسم بن عبدالرحمن، عن أبي أمامة الباهلي، رضي الله عنه: " أن ثعلبة بن حاطب الأنصاري أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ادع الله أن يرزقني مالاً. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ويحك يا ثعلبة! قليلٌ تؤدي شكره خيرٌ من كثير لا تطيقه، ثم قال مرة أخرى، فقال: ألا ترضى أن تكون مثل نبي الله، فوالذي نفسي بيده لو شئت أن تسيل معي الجبال ذهباً لسالت. فقال: والذي بعثك بالحق نبياً، لئن دعوتَ الله أن يرزقني مالاً لأوتين كل ذي حق حقه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم ارزق ثعلبة مالاً، فاتخذ غنماً فَنَمَتْ كما ينمو الدُّود، فضاقت عليه المدينة فتنحى عنها، فنزل وادياً من أوديتها، حتى جعل يصلي الظهر والعصر في جماعة ويترك ما سواهما، ثم نَمَتْ وكثُرت حتى ترك الصلوات إلا الجمعة، وهي تنمو كما ينمو الدُّود، حتى ترك الجمعة. فسأل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما فعل ثعلبة؟ فقالوا: يا رسول الله اتخذ غنماً وضاقت عليه المدينة، وأخبروه بخبره. فقال: يا ويح ثعلبة، ثلاثاً، وأنزل الله تعالى: { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا… } [التوبة: 103] الآية، وأنزل الله تعالى عليهم فرائض الصدقة، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلين على الصدقة، رجلاً من جهينة ورجلاً من بني سليم، وكتب لهما كيف يأخذان الصدقة من المسلمين. قال لهما: مُرَّا بثعلبة وبفلان -رجل من بني سليم- فَخُذَا صدقتهما، فخرجا حتى أتيا ثعلبة فسألاه الصدقة وأقرآه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ما هذه إلا جزية، ما هذه إلا أخت الجزية، ما أدري ما هذا، انطلقا حتى تفرغا، ثم تعودان إليّ، فانطلقا وأخبرا السلمي، فنظر إلى خيار أسنان إبله فعزلها للصدقة، ثم استقبلهم بها، فلما رأوها قالا: ما يجب هذا عليك، وما نريد أن نأخذها منك، قال: بلى خذوه، فإن نفسي بذلك طيبة، فأخذوها منه، فلما فرغا مَرَّا على ثعلبة فقال: أروني كتابكما أنظر فيه، فقال: ما هذه إلا أخت الجزية، انطلقا حتى أرى رأيي. فانطلقا حتى أتيا النبي صلى الله عليه وسلم فلما رآهما قال: يا ويح ثعلبة، قبل أن يكلمهما، ودعا للسلمي بالبركة، وأخبراه بالذي صنع ثعلبة والذي صنع السلمي، فأنزل الله تعالى: { وَمِنْهُمْ مَّنْ عَاهَدَ ٱللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ } -إلى قوله-: { وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ } وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلٌ من أقارب ثعلبة، فسمع ذلك، فخرج إلى ثعلبة فقال: ويحك يا ثعلبة قد أنزل الله فيك كذا وكذا، فخرج ثعلبة حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله أن يقبل منه صدقته فقال: إن الله منعني أن أقبل صدقتك، فجعل يحثو التراب على رأسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا عملك، قد أمرتك فلم تطعني، فلما أبى أن يقبل منه شيئاً رجع إلى منزله، وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقبل منه شيئاً، ثم أتى أبا بكر رضي الله عنه حين استخلف فقال: قد علمت منزلتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم وموضعي في الأنصار، فاقبل صدقتي، فقال: لم يقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنا أقبلها؟! فقبض أبو بكر، وأبى أن يقبلها. فلما ولي عمر بن الخطاب رضي الله عنه أتاه فقال: يا أمير المؤمنين، اقبل صدقتي، فقال: لم يقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر، فأنا لا أقبلها منك، فلم يقبلها، وقبض عمر رضي الله عنه. ثم ولي عثمان رضي الله عنه، فأتاه فسأله أن يقبل صدقته، فقال: لم يقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر ولا عمر، فأنا أقبلها منك؟ فلم يقبلها منه عثمان، وهلك ثعلبة في خلافة عثمان ".


السابقالتالي
2 3