الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } * { وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ ٱللَّهِ أَكْبَرُ ذٰلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ }

قوله تعالى: { وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ } في المعاضدة والمناصرة والرحمة والمودة.

وفي الصحيحين من حديث أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضاً، ثم شبّك بين أصابعه ".

[وفيهما] أيضاً من حديث النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مثل المؤمنين في تراحمهم وتواددهم وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى عضو منه تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر ".

{ يَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ } وهو التوحيد، { وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ } وهو الشرك والشك، { وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلٰوةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } فيعملون بالكتاب والسنة، { أُوْلَـٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ ٱللَّهُ }.

قال صاحب الكشاف: السين مفيدة وجود الرحمة لا محالة، فهي تؤكد الوعد، كما تؤكد الوعيد في قولك: سأنتقم منك يوماً، يعني: أنك لا تفوتني وإن تباطأ ذلك، ونحوه:سَيَجْعَلُ لَهُمُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وُدّاً } [مريم: 96]،وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ } [الضحى: 5].

قوله تعالى: { وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً } قال ابن عباس: قصور الزبرجد والدرّ والياقوت، يفوح طيبها من مسيرة خمسمائة عام. { فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ } قال ابن عباس: هي بطنان الجنة، وبطنانها وهي وسطها، وهي أعلا درجة في الجنة، وهي دار الرحمن، وسقفها عرشه، خلقها بيده، وفيها عين التسنيم، والجنان حولها محدقة بها.

واشتقاقه من عَدَنَ بالمكان؛ إذا أقام به.

قال الأعشى:
وَإِنْ يَسْتَضِيفُوا إلى حِلْمِهِ     يُضَافُوا إلى رَاجِحٍ قَدْ عَدَنْ
أي: إلى رزين ثابت لا يستخفه الغضب.

قوله تعالى: { وَرِضْوَانٌ مِّنَ ٱللَّهِ أَكْبَرُ } أي: وشيء من رضوان الله أكبر، أعظم من ذلك النعيم كله؛ لأن رضاه سبحانه أصل كل خير، وبتمامه يتم النعيم ويتكامل السرور.

وفي الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يقول الله عز وجل لأهل الجنة: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك؟! فيقول: أفلا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون: وأي شيء أفضل من ذلك؟ قال: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم أبداً ".

قوله تعالى: { ذٰلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } أي: ذلك الذي وعدتم به أيها المؤمنون والمؤمنات، من الجنات والمساكن الطيبة في جنات عدن، ورضوان من الله، الفوز العظيم الذي يتضاءل بالنسبة إليه كل ما يُعَدُّ فوزاً.