الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِٱللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ } * { لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنْكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ } * { ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِٱلْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ ٱللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } * { وَعَدَ الله الْمُنَافِقِينَ وَٱلْمُنَافِقَاتِ وَٱلْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ ٱللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ }

قوله تعالى: { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ } قال ابن عباس: كان الجد بن قيس ووديعة بن خذام والجهير بن خمير يسيرون بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم مرجعه من تبوك، فجعل رجلان منهم يستهزئان برسول الله صلى الله عليه وسلم، والثالث يضحك ولا يتكلم بشيء، فنزل جبريل فأخبره، فقال لعمار: اذهب فاسألهم مِمَّ يضحكون؟ وقل لهم: أحرقكم الله، فلما سألهم وقال لهم: أحرقكم الله، علموا أنه قد نزل فيهم قرآن، فأقبلوا يعتذرون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال [الجهير]: والله ما تكلمت بشيء، وإنما ضحكت تعجباً من قولهم، فأنزل الله: { لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ } يعني: جد بن قيس ووديعة.

{ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنْكُمْ } يعني: الجهير، { نُعَذِّبْ طَآئِفَةً } يعني: الجد ووديعة.

وقال ابن عمر: قال رجل من المنافقين: ما رأيت مثل قرّاءنا هؤلاء لا أرغب بطوناً، ولا [أكذب ألسناً]، ولا أجبن عند اللقاء -يعني: رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه-، فقال له عوف بن مالك: كذبت، لكنك منافق، لأخبرنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذهب ليخبره فوجد القرآن قد سبقه. فجاء ذلك الرجل فقال: يا رسول الله، إنما كنا نخوض ونلعب.

وقال قتادة: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير في غزوة تبوك وركبٌ من المنافقين يسيرون بين يديه، فقالوا: يرجو هذا الرجل أن يفتح قصور الشام وحصونها، هيهات هيهات. فأطلع الله نبيه على ذلك، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: احبسوا عَلَيَّ الرَّكْب، فأتاهم فقال: قلتم كذا وكذا. قالوا: يا نبي الله، إنما كنا نخوض ونلعب، وحلفوا على ذلك، فأنزل الله تعالى هذه الآية.

{ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ } المنافقين عما صدر منهم وبلغك عنهم فـ { لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ } ونلهو بالحديث { وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِٱللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ } فلم يعبأ باعتذارهم؛ لأنهم كانوا كاذبين فيه.

وفي قوله تعالى: { لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ } دليل على استواء الجد واللعب في الكفر.

حدثني بعض فقهاء الحنابلة: أن رجلاً قال -وقد سمع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جمع بين نسائه بغسل واحد- على سبيل اللعب: كان قد ثار برسول الله صلى الله عليه وسلم [جماعه]، فبلغ الإمام أبا الوفاء بن عقيل، فأفتى بكفره وبإباحة دمه، واحتجّ بهذه الآية.

قوله تعالى: { إن يُعْفَ عَن طَآئِفَةٍ مِّنْكُمْ } يعني: بإحداثهم التوبة وإخلاصهم في الإيمان { تُعَذَّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ } بإصرارهم على النفاق.

وقرأ عاصم: " [إن] نَعْفُ " بالنون المفتوحة وضم الفاء، " نُعَذِّبْ " بنون مضمومة وكسر الذال، " طائفةً " بالنصب.

وقد ذكرنا عن ابن عباس: أن الطائفة المعفو عنها: جهير بن خمير.

السابقالتالي
2