الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّمَا ٱلصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَآءِ وَٱلْمَسَاكِينِ وَٱلْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَٱلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَٱلْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }

قوله تعالى: { إِنَّمَا ٱلصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَآءِ وَٱلْمَسَاكِينِ } اختلف العلماء في هذين الصفتين أيهما أشد حاجة، فذهب الإمامان أحمد والشافعي إلى أن الفقراء أشد حاجة من المساكين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم استعاذ من الفقر، وقال صلى الله عليه وسلم: " اللهم أحيني مسكيناً وأمتني مسكيناً واحشرني في زمرة المساكين " أخرجه الترمذي.

قال أحمد بن عبيد: المسكين أحسن حالاً من الفقير؛ لأن الفقير أصله في اللغة: المَفْقُور الذي نُزِعَتْ فِقْرة من فقر ظهره، فكأنه انقطع ظهره من شدة الفقر، فصرف عن مفقور إلى فقير، كما قالوا في مجروح جريح، ومطبوخ طبيخ. قال الشاعر:
لَمَّا رَأَى لُبَدُ النُّسُورَ تَطَايَرَتْ     رَفَعَ القَوادِمَ كَالفَقِير الأَعْزَلِ
قال: ومن الحجة لهذا القول، قوله تعالى:أَمَّا ٱلسَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي ٱلْبَحْرِ } [الكهف: 79]، فوصف بالمسكنة من له سفينة تساوي مالاً.

وذهب الأصمعي وأبو حنيفة إلى أن المسكين أشد حاجة، واحتج كذلك ابن السكيت بقول الراعي:
أما الفقير الذي كانت حَلُوبَتُه    وفْق العيال فلم يُترك له سَبَدُ
فسَمَّاهُ فقيراً وله حلوبة تكفيه وعياله.

وقال يونس بن حبيب: قلت لأعرابي: أفقير أنت؟ قال: لا والله بل مسكين. يريد: أنا أسوأ حالاً من الفقير.

وقال ابن عباس وجمهور المفسرين: الفقير: المتعفف عن السؤال، والمسكين: الذي يسأل.

وقال قتادة: الفقير: المحتاج الذي به زَمَانة، والمسكين: المحتاج الذي لا زَمَانة به.

ويجوز أن يعطيا من الزكاة ما يصير بهما إلى الغنى.

قوله تعالى: { وَٱلْعَامِلِينَ عَلَيْهَا } يعني: السُّعاة لجبايتها، فيُعْطَوْنَ منها بقدر أجورهم عندنا. وعند الشافعي وعند مالك وفقهاء العراق: هو مفوّض إلى اجتهاد الإمام.

قوله تعالى: { وَٱلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ } يُعطون بقدر ما يحصل به التأليف. وهم قسمان؛ مسلمون وكافرون.

فأما المسلمون فقسمان؛ قسم دخلوا في الإسلام ونياتهم ضعيفة، فيعطون من الصدقات ما يثبتهم على الإسلام، كما أعطى النبي صلى الله عليه وسلم عيينة بن حصن، والأقرع بن حابس.

وقسم دخلوا فيه على بصيرة وهدى لا تزلزل عندهم، إلا أنهم شرفاء في قومهم، فيعطون منها ما يرغب أمثالهم في الإسلام، كما أعطى النبي صلى الله عليه وسلم عدي بن حاتم، والزبرقان بن بدر، وأعطى أبو بكر الصديق رضي الله عنه عدي بن حاتم ثلاثين فريضة من الصدقة.

وأما الكافرون: فيعطى منهم من الزكاة من يُرجى إسلامه، أو يخاف شره؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى صفوان بن أمية يوم حنين قبل إسلامه؛ ترغيباً له واستمالة إلى الإسلام حتى أسلم.

فصل

اختلف العلماء في انقطاع حكم المؤلفة الكفار؛ فذهب الأئمة أبو حنيفة ومالك والشافعي والثوري وإسحاق إلى أن حكمهم انقطع؛ لأن الله تعالى أعزّ الإسلام وأغناه عن أن يتألف له الرجال.

وذهب الإمام أحمد رضي الله عنه إلى بقاء حكمهم.

السابقالتالي
2