الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعْلَمَ ٱلْكَاذِبِينَ } * { لاَ يَسْتَأْذِنُكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلْمُتَّقِينَ } * { إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَٱرْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ } * { وَلَوْ أَرَادُواْ ٱلْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَـٰكِن كَرِهَ ٱللَّهُ ٱنبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ ٱقْعُدُواْ مَعَ ٱلْقَاعِدِينَ } * { لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ ٱلْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّالِمِينَ }

وكان النبي صلى الله عليه وسلم أذن لجماعة منهم في التخلف حين خرج إلى تبوك، فأنزل الله عز وجل: { عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ }.

قال عمرو بن ميمون الأودي: اثنان فعلهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يؤمر بهما: إذنه للمنافقين، وأخذه الفداء من الأسارى، فعاتبه الله كما تسمعون.

قال مورق: عاتبه ربه بهذا.

قال سفيان بن عيينة: انظروا إلى هذا اللطف، بدأه بالعفو قبل أن يُعيّره بالذنب.

وهذا أسلوب لطيف من أساليب العتاب. وقريب منه قول قيس فيما بعث به إلى ليلى العامرية:
عَفَا اللهُ عَنْها أَنَّها كُلَّ لَيْلَـــةٍ    مِنَ الدَّهْرِ قَدْ يَدْنُوا إِليَّ خَيَالُها
فأجابته:
وَعَنْهُ عَفَى رَبّي وَأَصْلَحَ حَالَهُ    فَعَزَّ عَلَيْنا حَاجَة لاَ يَناَلهــــــا
قال الزمخشري عند تفسير هذه الآية: { عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ } هذا كناية عن الجناية؛ لأن العفو رادف لها، ومعناه: أخطأت وبئس ما فعلت.

وهذا تغفيل من الزمخشري عن اللطيفة المودعة في تصدير هذه الآية بذكر العفو، وعبارة جافية لا يليق إطلاقها على آحاد ذوي الأقدار، فكيف بسيد ولد آدم؟ الذي جعل الله تعالى تعظيمه فرضاً، فقال:لاَّ تَجْعَلُواْ دُعَآءَ ٱلرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَآءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً } [النور: 63].

ولقد أجاد محمد بن الحنفية في قوله: البلاغة قول مفقه في لطف.

وأَحْسَنَ الحسن بن سهل في قوله: البلاغة ما فهمه العامة، ورضيته الخاصة. والعبارة المنكرة هاهنا لا يرضاها والله الخاصة ولا العامة.

وقال بعضهم: البلاغة: وضوح الدلالة وحسن الإشارة.

وقال أعرابي: البلاغة: حسن الاستعارة.

ولستُ أجهل أن لهذا الرجل المشار إليه بالرد عليه أقواماً ترعد أنفسهم غضباً وحمية له،وَٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُواْ مُؤْمِنِينَ } [التوبة: 62].

ولله درّ حسان حيث يقول:
فإن أبي ووالده وعرضي    لعرض محمد منكم وقاء
قوله تعالى: { حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعْلَمَ [ٱلْكَاذِبِينَ] } أي: حتى يظهر لك الذين صدقوا في اعتذارهم من الذين كذبوا فيه.

قال قتادة: نُسختْ بقوله:فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ } [النور:62].

قوله تعالى: { لاَ يَسْتَأْذِنُكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } قال الزجاج: أَعْلَمَ اللهُ عز وجل أن علامة المنافق في ذلك الوقت: الاستئذان في التخلُّف عن الجهاد.

قال ابن عباس: هذه الآية منسوخة بقوله تعالى:لَّمْ يَذْهَبُواْ حَتَّىٰ يَسْتَأْذِنُوهُ } [النور: 62].

وأنكر أبو سليمان الدمشقي دعوى النسخ هاهنا؛ لإمكان العمل بالآيتين، فإنه إنما عاب على المنافقين أن يستأذنوه في القعود عن الجهاد من غير عذر، وأجاز للمؤمنين الاستئذان لحاجة.

قال الزجاج في قوله { أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ }: موضع " أن " النصب. المعنى: لا يستأذنك هؤلاء في أن يجاهدوا، ولكن " في " حذفت، فأفضى الفعل فنصبت " أَنْ ".

قال سيبويه: ويجوز أن يكون موضعها جراً؛ لأن حذفها هاهنا إنما جاز مع ظهور " أَنْ " ، ولو أظهرت المصدر لم تحذف " في " ، لا يجوز: (لا يستأذنك القوم الجهاد) حتى تقول: في الجهاد، ويجوز: (لا يستأذنك القوم أن يجاهدوا).

السابقالتالي
2