قوله تعالى: { ٱنْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً } قال أكثر المفسرين: شباباً وكهولاً. وروى عطاء عن ابن عباس: رجالة وركباناً. وروي عنه أيضاً: " خفافاً ": أهل اليسرة من المال، " وثقالاً ": أهل العسرة. وهو اختيار الزجاج، قال: مُوسرين ومُعْسرين. وبعكس هذا القول قال أبو صالح والفراء، قال الفراء: " الخفاف ": ذوو العسرة وقلّة العيال، و " الثقال ": ذوو العيال والميسرة. وقال جويبر: أصحّاء ومرضى. قال الزهري: خرج سعيد بن المسيب إلى الغزو قد ذهبت إحدى عينيه، فقيل: إنك عليل صاحب ضرر. فقال: استنفر الله الخفيف والثقيل، فإن لم يمكني الحرب كثرت السواد وحفظت المتاع. وقال صفوان بن عمرو: كنت والياً على حمص، فلقيت شيخاً كبيراً من أهل دمشق، قد سقط حاجباه على عينيه وهو على راحلته يريد الغزو، فقلت: يا عم، لقد أعذر الله إليك، فرفع حاجبيه وقال: يا ابن أخي استنفرنا الله خفافاً وثقالاً. وقال أهل المعاني: هذا عامٌّ في كل أحد؛ لأنه ما من أحد إلا وتخف عليه الحركة أو تثقل، فهو ممن أمر الله في هذه الآية بالنفير. ويؤيد ذلك قول ابن عباس: نسخت بقوله:{ وَمَا كَانَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً } [التوبة: 122]. وقول السدي: هي منسوخة بقوله:{ لَّيْسَ عَلَى ٱلضُّعَفَآءِ وَلاَ عَلَىٰ ٱلْمَرْضَىٰ } [التوبة: 91]. وعند الفقهاء: أن هذا تخصيص لا نسخ. { وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } قال القاضي أبو يعلى: أوجب الله الجهاد بالمال والنفس جميعاً، فمن كان له مالٌ وهو مريض أو مقعد أو ضعيف [لا يصلح للقتال] فعليه الجهاد بماله بأن يعطيه غيره فيغزو به، [كما يلزمه الجهاد بنفسه إذا كان قوياً]. وإن كان له مال وقوة فعليه الجهاد بهما، ومن كان معدماً عاجزاً فعليه الجهاد بالنصح لله ولرسوله؛ لقوله تعالى:{ وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ } [التوبة: 91]. { ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ } من التثاقل إلى الأرض { إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } ما في ذلك من الثواب يوم المآب.