الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّمَا ٱلنَّسِيۤءُ زِيَادَةٌ فِي ٱلْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِّيُوَاطِئُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوۤءُ أَعْمَالِهِمْ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْكَافِرِينَ }

قوله تعالى: { إِنَّمَا ٱلنَّسِيۤءُ زِيَادَةٌ فِي ٱلْكُفْرِ } قرأتُ لأبي جعفر ولأبي عمرو من رواية فرج عن اليزيدي: " النَّسِيُّ " بالتشديد من غير همز.

قال الزمخشري: النسيء مصدر نسأه؛ إذا أخّره، يقال: نَسَأَهُ نَسْأً ونَساءً ونًسيئاً؛ كقولك: مَسَّهُ مَسّاً ومِسَاساً ومَسِيساً.

وقال الجوهري وغيره: هو فعيل بمعنى مفعول، من قولك: نَسَأْتُ الشَّيْءَ فهو مَنْسُوءٌ؛ إذا أَخَّرْتَهُ، ثم صرفوا منسوءاً إلى نَسِيءٍ، كما صرفوا مقتولاً ومجروحاً إلى قتيل وجريح.

وقيل: نَسَأْتُ الشَّيْءَ نَسْأً؛ إذا أَخَّرته، وكذلك أَنْسَأْتُهُ.

واختلفوا في أصل الكلمة؛ فذهب الأكثرون إلى أنها من التأخير.

قال الأخفش: ومنه: النسيء في البيع، ويُقال: أَنْسَأَ الله في أَجَلك.

وقال قطرب: هو من الزيادة، فكل زيادة حدثت في شيء فهو نسيء، وقال: ومنه: قد نَسَأْتُ الناقة وَأَنْسَأْتُها؛ إذا زَجَرْتَها ليزداد سَيْرُها.

والأول أظهر وأشهر.

قال ابن عباس وقتادة وعامة المفسرين واللغويين: كانت العرب تحرم الشهور الأربعة، وكان ذلك مما تمسكت به من ملة إبراهيم وإسماعيل، وكانوا ربما احتاجوا إلى تحليل المحرم للحرب تكون بينهم، فيؤخرون تحريم المحرم إلى صفر، ثم يحتاجون إلى تأخير صفر فيؤخرونه إلى الشهر الذي بعده، ثم كذلك حتى يستدير التحريم على السنة كلها.

فأعلم الله عز وجل أن ذلك زيادة في كفرهم؛ لأنهم أحلوا الحرام وحرموا الحلال.

وإلى هذا المعنى أشار النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: " إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض " ، أي: رجع التحريم إلى الشهور الأربعة، وبطل أمر النسيء، وكانوا لا يفعلون ذلك إلا في الموسم.

قال الفراء: كانت العرب في الجاهلية إذا [أرادوا] الصَّدر عن منى، قام رجل من بني كنانة يقال له: نُعيم بن ثعلبة -وكان رئيس الموسم-، يقول: أنا الذي لا أعاب ولا أجاب، ولا يُردّ لي قضاء، فيقولون: [صدقت]، أَنْسِئْنا شهراً، يريدون: أخِّر عنا حرمة المحرم واجعلها في صفر، [وأحِلَّ المحرم]، فيفعل ذلك. وإنما دعاهم إلى ذلك توالي الأشهر الثلاثة، ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرّم، وكانت عامة معيشتهم من الغارات.

قوله تعالى: { يُضَلُّ بِهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي: بالنسيء.

واختلف القراء في " يُضَلُّ " فقرأ أهل الكوفة إلا أبا بكر بضم الياء وفتح الضاد على ما لم يُسَمَّ فاعله.

وقرأتُ لجماعة، منهم يعقوب الحضرمي: بضم الياء وكسر الضاد.

وقرأ الباقون بفتح الياء وكسر الضاد.

فعلى القراءة الأولى والثالثة: " الذين كفروا " في موضع رفع. وعلى القراءة الثانية: جائز أن يكون في موضع رفع، على معنى: يضلون به أتباعهم. وجائز أن يكون في موضع نصب، على معنى: يضل الله، أو يضل الشيطان به الكفار.

{ يُحِلُّونَهُ عَاماً } قال ابن عباس: إذا قاتلوا فيه أحلّوه وحرّموا مكانه صَفَر، وإذا لم يقاتلوا فيه حرَّموه.

{ لِّيُوَاطِئُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ } المواطأة: المماثلة والموافقة على الشيء. يقال: أوطأت فلاناً على كذا؛ إذا وافقته عليه، فالمعنى: ليوافقوا عدة ما حرَّم الله، فلا يَخرجون من تحريم أربعة أشهر، ويقولون: هي بمنزلة الحرم.

{ فَيُحِلُّو } بهذه المواطأة { مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ }.