قوله تعالى: { إِنَّ عِدَّةَ ٱلشُّهُورِ عِندَ ٱللَّهِ ٱثْنَا عَشَرَ شَهْراً } قال الزجاج: أعلم الله عز وجل أن عدة شهور المسلمين التي تُعُبِّدُوا بأن يجعلوها لسَنَتِهم اثنا عشر شهراً على منازل القمر، واستهلال الأهلة. { فِي كِتَابِ ٱللَّهِ } وهو اللوح المحفوظ. قال ابن عباس: هو الإمام، الذي عند الله كتبه. { يَوْمَ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ مِنْهَآ أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ } وقد ذكرناها عند قوله:{ فَإِذَا ٱنسَلَخَ ٱلأَشْهُرُ ٱلْحُرُمُ } [التوبة: 5]. { ذٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ } قال ابن عباس: القضاء المستقيم. وقال ابن قتيبة: ذلك الحساب الصحيح والعدد المستوي. { فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ } أي: في الأشهر الحرم { أَنْفُسَكُمْ }. قال قتادة: الظلم في الأشهر الحرم أعظم وزراً من الظلم فيما سواها، وإن كان الظلم على كل حال عظيماً. وقال ابن إسحاق: المراد بالظلم فيهن: فعل الشيء، وهو تحليل شهرٍ محرّم وتحريم شهرٍ محلّل. وقال مقاتل: المعنى: لا تظلموا أحداً بالقتال في الشهر الحرام إلا أن يبدؤوكم بالقتل. وقد ذكرنا في البقرة أن تحريم بداية مشركي العرب بالقتال في الشهر الحرام منسوخ عند أكثر العلماء. وقيل: المعنى: لا تظلموا فيهن أنفسكم بترك قتال الكفار. وقد روي عن ابن عباس: أن الضمير في قوله: { فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ } يعود إلى قوله: { ٱثْنَا عَشَرَ شَهْراً }. والأول اختيار أكثر اللغويين والمفسرين. وقال ابن الأنباري: العرب تعد الهاء والنون على القليل من العدد، والهاء والألف على الكثير منه، والقلة: ما بين الثلاثة إلى العشرة، والكثرة ما جاوز العشرة. يقولون: وجهت إليك أكبشاً فاذبحهن، وكباشاً فاذبحها، فلذلك قال: { مِنْهَآ أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ } ، وقال: { فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ } لأنه يعني بقوله: " فيهن ": الأربعة الأشهر. ومن قال أن الضمير في " فيهن " يعود إلى قوله: " اثنا عشر " فإنه ممكن؛ لأن العرب ربما جعلت علامة القليل للكثير، وعلامة الكثير للقليل. قوله تعالى: { وَقَاتِلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً } يعني: جميعاً، ونصبه على الحال من الفاعل، أو المفعول. والأول أظهر. ثم ضمن لهم النصر بشرط التقوى فقال: { وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُتَّقِينَ }.