الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ } * { فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْعَظِيمِ }

قوله تعالى: { لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ } أي: من جنسكم ونسبكم لتفهموا عنه.

قال ابن عباس: يريد محمداً صلى الله عليه وسلم، وليس في العرب قبيلة إلا [وقد ولدته] وله فيهم نسب.

وقرأ جماعة منهم فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدة نساء العالمين وعائشة أم المؤمنين وابن عباس رضي الله عنهم أجمعين وابن محيصن ومحبوب عن أبي عمرو: " مِنْ أَنْفَسِكُم " بفتح الفاء، أي: من أشرفكم وأفضلكم وأجملكم خَلقاً وأحسنكم خُلقاً.

{ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ } " ما " مع الفعل بتأويل المصدر، وهو مرفوع بـ " عزيز ". ويجوز أن يكون مبتدأ، " عزيز " خبره، والجملة نعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

والمعنى: شديد عليه عنتكم؛ لكونه منكم حسباً ونسباً، فهو يخاف عليكم ويشق عليه ما يلحقكم من الضرر والعَنَت بترك الإيمان، يقال: عَنِتَ الرجل يَعْنتُ عَنَتاً؛ إذا وقع في مَشَقَّة.

ثم أثنى الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم فقال: { بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ } قال ابن عباس: سَمَّاه باسمين من أسمائه.

{ فَإِن تَوَلَّوْاْ } أعرضوا عن الإيمان بك بغياً وحسداً وعناداً { فَقُلْ } لائذاً بالله عائذاً به { حَسْبِيَ ٱللَّهُ } فهو يكفيني ويتولى نصرتي عليكم، { لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ } في الانتقام منكم والانتصار عليكم، { وَهُوَ رَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْعَظِيمِ } وقد ذكرناه في الأعراف.

ووَصَفَ العرش بالعِظَمِ؛ لتضاؤل جميع المخلوقات بالنسبة إليه.

قال ابن عباس: لا يقدر أحد قدره.

وقرأ ابن محيصن: " العظيمُ " بالرفع، على نعت الرب عز وجل.

هذا آخر سورة [براءة]، وهي التي فضحت المنافقين وبحثت عما في قلوبهم، حتى خشي المؤمنون أفاضل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينزل فيهم قرآن.

قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ما فرغ من تنزيل براءة حتى ظننا أن لن يبقى منا أحد إلا سينزل فيه شيء.

وقد ذكر في مقدمة الكتاب ما يدل على أنها من أواخر ما نزل من القرآن.

قال قتادة: إن آخر القرآن عهداً بالسماء هاتان الآيتان خاتمة براءة: { لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ } إلى قوله: { رَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْعَظِيمِ }.