الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ مَا كَانَ لأَهْلِ ٱلْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِّنَ ٱلأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ ٱللَّهِ وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنْفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلاَ يَطَأُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ ٱلْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ } * { وَلاَ يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِياً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ ٱللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { وَمَا كَانَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي ٱلدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوۤاْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ }

قوله تعالى: { مَا كَانَ لأَهْلِ ٱلْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِّنَ ٱلأَعْرَابِ } وقد ذكرناهم عند قوله:وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِّنَ ٱلأَعْرَابِ مُنَٰفِقُونَ } [التوبة: 101].

{ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ ٱللَّهِ } يعني: في الجهاد، { وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنْفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ } أي: ولا يترفَّعوا بأنفسهم عن نفسه الكريمة إيثاراً للخفض والدَّعَة والرفاهية، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخوض غمرات الشدائد والأهوال.

سمعت شيخنا الإمام أبا محمد عبد الله بن أحمد يقول: أخبرنا عبدالله بن منصور بن هبة الله الموصلي، أخبرنا المبارك بن عبد الجبار الصيرفي، أخبرنا محمد بن عبدالواحد، أخبرنا أبو بكر بن شاذان، أخبرنا أبو عبدالله بن المغلس، أخبرنا أبو عثمان سعيد بن يحيى الأموي، حدثني أبي قال: قال ابن إسحاق: تخلف أبو خيثمة -أحد بني سالم- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة تبوك، حتى إذا سار رسول الله صلى الله عليه وسلم رجع أبو خيثمة ذات يوم إلى أهله في يوم حار، فوجد امرأتين له في عريش لهما في حائط لهما، قد رَشَّتْ كل واحدة منهما عريشها وبردت له فيه ماء، وهيأت له طعاماً، فلما دخل قام على باب العريش فنظر فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم في الضَّح والريح والحر، وأبو خيثمة في ظل بارد وطعام مهيأ وامرأة حسناء، ما هذا بالنَّصَف!! والله لا أدخل عريش واحدة منكما حتى أَلْحَقَ برسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قَدَّمَ ناضِحَهُ فأرحلها، ثم خرج في طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأدركه حين نزل تبوكاً، فلما طلع قال الناس: هذا راكب مقبل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كن أبا خيثمة، فلما دنا قال الناس: يا رسول الله، هذا والله أبو خيثمة، فلما أناخ سلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أخبره الخبر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم له خيراً ودعا له.

وقال الحسن: بلغني أنه كان لأحدهم حائط كان خيراً من مائة ألف درهم، فقال: يا حائطاه! ما خلفني إلا ظلك وانتظار ثمرك، اذهب فأنت في سبيل الله.

قوله تعالى: { ذٰلِكَ } إشارة إلى ما دل عليه قوله: { مَا كَانَ لأَهْلِ ٱلْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِّنَ ٱلأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ ٱللَّهِ } كأنه قيل: ذلك النهي عن التخلف، أو ذلك الوجوب بسبب أنهم { لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ } أي: عطش { وَلاَ نَصَبٌ } أي: تعب { وَلاَ مَخْمَصَةٌ } أي: مجاعة { فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلاَ يَطَأُونَ } أي: يدوسون بحوافر خيولهم أو خفائف [رواحلهم] وأرجلهم { مَوْطِئاً يَغِيظُ ٱلْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً } أي: يرزؤونهم شيئاً من غنيمة أو قتل أو هزيمة { إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ } يزلفهم إليه، ويجازيهم عليه.

السابقالتالي
2