الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّىٰ يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } * { إِنَّ ٱللَّهَ لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يُحْيِـي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ } * { لَقَدْ تَابَ الله عَلَىٰ ٱلنَّبِيِّ وَٱلْمُهَاجِرِينَ وَٱلأَنصَارِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ ٱلْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ }

ثم أعلم الله تعالى نبيه والمؤمنين أنه لا إثم عليهم بما صدر منهم من الاستغفار قبل النهي فقال: { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً } أي: ليحكم عليهم بالضلالة { بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّىٰ يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ } ، وفيه إضمار تقديره: فلا يتقونه.

وما بعده ظاهر إلى قوله: { لَقَدْ تَابَ ٱللهُ عَلَىٰ ٱلنَّبِيِّ } قال المفسرون: تاب عليه من إذنه للمنافقين في التخلف، كقوله:عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ } [التوبة: 43].

وقيل: هو إشعار بأنه ما من مؤمن إلا وهو محتاج إلى التوبة والاستغفار، ألا تراه يقول:وَٱسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ } [محمد: 19]، وفيه تنبيه على فضل التوبة وإعلام بأنها بالمنزلة التي يفتقر إليها الأنبياء.

وقال أهل المعاني: ذِكْرُ النبي في التوبة مفتاح كلام، وذلك أنه لما كان سبب توبة التائبين ذكر معهم، كقوله:فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ } [الأنفال: 41].

{ وَٱلْمُهَاجِرِينَ وَٱلأَنصَارِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ ٱلْعُسْرَةِ } أي: في وقت العسرة.

قال الزمخشري وغيره: الساعة تستعمل في معنى الزمان، كما يستعمل اليوم.

والمراد: غزوة تبوك، وكانوا في عسرة من الظَّهْر، يعقب العشرة على بعير واحد، وكانوا في عسرة من الزاد، حتى اقتسم التمرة الواحدة اثنان، وربما مصّها الجماعة ليشربوا عليها الماء، وكانوا في عسرة من الماء حتى نحروا الإبل واعتصروا فُرُوثها وشربوها، وجعلوا ما بقي منها على أكبادهم، وكانوا في عسرة وشدة من حَمَّارَة القيظ والقحط.

قيل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: حدثنا عن ساعة العسرة فقال: " خرجنا إلى تبوك في قيظ شديد، ونزلنا منزلاً أصابنا فيه عطش، حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع، حتى إن الرجل ليذهب يلتمس الماء فلا يرجع، حتى يظن أن رقبته ستنقطع، وحتى إن الرجل لينحر بعيره فيعصر فرثه فيشربه، ويجعل ما بقي على كبده. فقال أبو بكر: يا رسول الله، إن الله قد عَوَّدَكَ في الدعاء خيراً، فادْعُ لنا. قال: تحب ذلك؟ قال: نعم، فرفع يديه، فلم يُرْجعهما حتى قالت السماء، فأظلت فسكبت، فملؤوا ما معهم، ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها جاوزت العسكر " ".

قوله تعالى: { مِن بَعْدِ مَا كَادَ تزيغ } وقرأ حفص وحمزة: " يزيغ " بالياء على تذكير الجمع، كقوله:وَقَالَ نِسْوَةٌ } [يوسف: 30] وفي " كاد " ضمير الشأن، أي: من بعد ما كاد الشأن والأمر يزيغ قلوب فريق منهم، فالفعل والفاعل تفسير الأمر والشأن.

وقال محمد بن يزيد: التقدير: من بعد ما كاد القبيل؛ لتقدم ذكر المهاجرين والأنصار.

والمعنى: من بعد ما كاد تميل قلوب فريق منهم عن اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن جماعة هَمُّوا بالتخلّف عنه ثم لحقوه. هذا قول ابن عباس.

وقال الزجاج: لم تزغ عن الإيمان، ولكن مالت إلى الرجوع؛ للشدة التي لقوها.

وحكى الماوردي: أن المعنى: من بعد ما كاد تزيغ قلوبهم تلفاً بالجهد والشدة.

وهذا القول ليس بشيء، لقوله: ثم تاب عليهم.

وإنما أعاد سبحانه وتعالى ذكر التوبة عليهم لأجل ذكر الذَّنْب.