الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ ٱلْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنْجِيلِ وَٱلْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ ٱللَّهِ فَٱسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ ٱلَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ }

قوله تعالى: { إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ } سبب نزولها: " أن الأنصار لما بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة -وكانوا سبعين-. قال عبد الله بن رواحة: اشترط يا رسول الله لربك ولنفسك. فقال: أشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأشترط لنفسي أن تمنعوني ما تمنعون منه أنفسكم. قالوا: فإذا فعلنا ذلك فما لنا؟ قال: الجنة. قالوا: ربح البيع لا نُقيل ولا نَستقيل ".

ويروى: " أن أعرابياً مر بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ هذه الآية فقال: كلام مَنْ هذا؟ فقال: كلام الله. فقال: بيعٌ والله مُربح، لا نُقيله ولا نَستقيله، فخرج إلى الغزو فاستشهد ".

وقال الحسن: اسمعوا إلى بيعة ربيحة، بايع الله بها كل مؤمن.

وقال قتادة: ثامَنهم الله فأغلى لهم.

وكان جعفر الصادق عليه السلام يقول: يا من ليست له همة، إنه ليس لأبدانكم ثمن إلا الجنة، فلا تبيعوها إلا بها.

وأنشد الأصمعي لجعفر الصادق:
أُثَامِنُ بالنَّفْسِ النَّفيسَة رَبَّها    فَلَيْسَ لَهَا فِي الخَلْقِ كُلّهُم ثمَن
بهَا تُشْتَرى الجَنّات إِنْ أَنَا بعْتها    بشَيء سِواها إِنّ ذلِكُم غَبَن
إِذا ذهَبَتْ نَفْسِي بدُنْيا أَصَبْتها    فَقَدْ ذهَبَتْ نفْسِي وَقَدْ ذهَبَ الثَّمَن
وأنشد بعضهم:
مَنْ يَشْتَري قُبَّة في العَدن عَالية    في ظِلِّ طُوبى رَفيعاتٌ مَبَانيها
دَلاَّلها المصطفى واللهُ بائعُها    مِمَّنْ أَرَادَ، وَجبْريلُ مُنَادِيها
وذِكْرُ الاشتراء مجازٌ عن إثابتهم الجنة في مقابلة ما بذلوا من الأنفس والأموال لله في جهاد أعدائه به، اللهم فلك الحمد كما ينبغي لكرم وجهك وعظمة جلالك، وعزتك يا رب ما بذلوا لك إلا أنفساً أنت خلقتها وأموالاً أنت رزقتها، فماذا يستحقون عليك وقد تقربوا بنعمتك إليك، فما أحق المتلبس بهذه القضية والموفق لهذه البيعة المرضية بإنشاد ما قيل:
أُزَاهِدُ نَفْسي فَهوَ مَالِكُها    وَلَهُ أَصُونُ كَرائمَ الذُّخْرِ
أَوْ أَهْدِ مَالاً فَهوَ وَاهبُهُ    وَأَنا الحَقِيقُ عَلَيْهِ بالشُّكْرِ
قوله تعالى: { يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ } قرأ حمزة والكسائي: " فيُقتلون " بضم الياء، " ويَقتلون " بفتح الياء، وقرأ الباقون بالعكس من ذلك.

ومعنى الكلام: منهم من يَقْتِل، ومنهم من يُقْتَل في سبيل الله.

ثم أخبر الله عز وجل أن هذا الوعد المذكور مثبت في كتبه المنزلة فقال: { وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنْجِيلِ وَٱلْقُرْآنِ }.

وفي قوله: { وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ ٱللَّهِ } ترغيب للمؤمنين في الجهاد بأبلغ الطرق، ضرورة الانقياد إلى اعتقاد تحقق الوفاء بوعد مالك الأشياء.

{ فَٱسْتَبْشِرُواْ } أي: افرحوا أيها المؤمنون الباذلون أنفسهم وأموالهم { بِبَيْعِكُمُ ٱلَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ }.