الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ تَقْوَىٰ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَٱنْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } * { لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ ٱلَّذِي بَنَوْاْ رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }

قوله تعالى: { أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ } ، قرأ نافع وابن عامر: " أُسِّسَ بُنْيَانُهُ " بضم الهمزة وكسر السين ورفع " البنيان " ، على ما لم يُسَمَّ فاعله في الموضعين، وقرأها الباقون بفتح الهمزة وفتح السين ونصب " البنيان ".

والتأسيس: إحكام أُسّ البناء، وهو أصله، والبنيان: مصدر، يراد به: المبني.

{ عَلَىٰ تَقْوَىٰ مِنَ اللَّهِ } في محل الحال، التقدير: أسس بنيانه متقياً لله يرجو ثوابه ويخاف عقابه.

{ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ } قال الزجاج: شفا الشيء: [حرفه] وحدُّه، والشَّفا مقصور، يكتب بالألف، ويثنى: شَفَوان.

وقال الزمخشري: الشَّفا: الحرف والشفير، وجرف الوادي: جانبه الذي يتحفر أصله بالماء وتجرفه السيول فيبقى واهياً، والهار: الهائر، وهو الْمُتَصَدّع الذي أشفى على التهدم والسقوط.

قال ابن قتيبة وغيره: ومنه تهوَّرَ البناء وانهار؛ إذا تداعى للسقوط.

قال صاحب الكشاف: المعنى: أفمن أسس بنيان دينه على قاعدة قوية محكمة، وهي الحق الذي هو تقوى الله ورضوانه خير أمن أسسه على قاعدة هي أضعف القواعد [وأرخاها وأقلها بقاء] وهو الباطل والنفاق، الذي مَثَلُه مَثَلُ شفا جُرُفٍ هارٍ في قلة الثَّبات والاستمساك. وضع شفا الجرف في مقابلة التقوى؛ لأنه جعل مجازاً عما ينافي التقوى.

فإن قلتَ: فما معنى قوله: { فَٱنْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ }؟

قلتُ: لما جعل الجرف الهائر [مجازاً عن الباطل قيل: فانهار به في نار جهنم، على معنى]: فطاح به الباطل في نار جهنم، إلا أنه رشح المجاز، فجيء بلفظ الانهيار الذي هو للجرف.

قال الزجاج: وهذا مَثَلٌ. المعنى: أن بناء هذا المسجد الذي بني ضراراً وكفْراً كبناء على جَرْف جهنم يتهور بأهله فيها.

قال قتادة: ذُكر لنا أنهم حفروا حفرة في مسجد الضرار فرؤي فيها الدخان.

قال جابر: رأيت الدخان يخرج منه.

قوله تعالى: { لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ ٱلَّذِي بَنَوْاْ رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ } قال ابن عباس: شكاً ونفاقاً في قلوبهم؛ لأنهم كانوا يحسبون أنهم محسنون في بنائه.

وقيل: المعنى: لا يزالُ هدْمُ بنيانهم حزازة وغيظاً، وسبباً لتصميمهم على الشك والنفاق لا يضمحل أثره ولا يزول رسمه عن قلوبهم.

{ إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ } قرأ ابن عامر وحمزة وحفص عن عاصم: " تَقَطَّعَ " بفتح التاء، وقرأ الباقون بضم التاء.

وقرأتُ ليعقوب الحضرمي: " إلى أن " ، جعله حرف جرّ.

فمن قرأ " إلا " بحرف الاستثناء معناه: إلا أن تقطع قلوبهم قطعاً، وتفرق أجزاؤهم بالموت أو بالقتل، فحينئذ ينمحي آثار الريبة من قلوبهم. فأما ما دامت سالمة فالريبة لازمة لهم. هذا معنى قول ابن عباس ومجاهد وقتادة وجمهور المفسرين.

وقال الزجاج: قال بعضهم: إلا أن يتوبوا توبة تتقطع بها قلوبهم ندماً وأسفاً على تفريطهم.

فصل

قال بعض العلماء: كل مسجد بني مباهاة ورياء وسمعة، أو لغرض سوى ابتغاء وجه الله تعالى، أو بمال غير طيب، فهو لاحق بمسجد الضرار.

وروي: أن شقيقاً فاتته الصلاة في مسجد بني عامر، فقيل له: مسجد بني فلان لم يصلوا فيه بعد، قال: لا أحب أن أصلي فيه، فإنه بني على ضرار.

وقال عطاء: لما فتح الله الأمصار على عمر رضي الله عنه أمر المسلمين أن يبنوا المساجد وأن لا يتخذوا في مدينة مسجدين يضار أحدهما صاحبه.