الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَاداً لِّمَنْ حَارَبَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ ٱلْحُسْنَىٰ وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } * { لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى ٱلتَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُطَّهِّرِينَ }

قوله تعالى: { وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مَسْجِداً ضِرَاراً } قرأ نافع وابن عامر بغير واو، كذلك هي في مصاحف أهل المدينة وأهل الشام على إضمار المبتدأ وإضمار الخبر. وقرأ الباقون بالواو عطفاً على ما قبله، أي: ومنهم الذين اتخذوا. ويجوز أن يكون محل " والذين اتخذوا " النصب على الاختصاص؛ كقوله:وَٱلْمُقِيمِينَ ٱلصَّلٰوةَ } [النساء: 162].

" ضراراً " مفعول له، المعنى: اتخذوه لضرار المؤمنين.

{ وَكُفْراً } بالله ورسوله، { وَتَفْرِيقاً بَيْنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } لأنهم كانوا يصلون في مسجد قباء فأرادوا تفريق جماعتهم.

{ وَإِرْصَاداً لِّمَنْ حَارَبَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ } أي: إعداداً لأجل أبي عامر الراهب ليصلي فيه.

وقوله: " من قبل " يتعلق بـ " اتخذوا مسجداً " من قبل أن ينافق هؤلاء بالتخلف.

وقيل: يتعلق بـ " حَارَبَ " ، أي: حارب الله ورسوله، من قبل بناء مسجد الضرار.

{ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ ٱلْحُسْنَىٰ } أي: إن أردنا ببناء المسجد إلا الخصلة أو الإرادة الحسنى، وهي الرفق بالمسلمين، والتوسعة على المصلين، وإظهار منار الدين.

وقيل: الحسنى: الطاعة. وقيل: الجنة.

{ وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } في قولهم وحلفهم أنهم أرادوا الحسنى.

الإشارة إلى قصتهم:

ذكر أهل العلم بالتفسير والسير: " أن بني عمرو بن عوف لما اتخذوا مسجد قباء وأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي فيه، حسدهم إخوتهم بنو غنم بن عوف، وكانوا من منافقي الأنصار، فقالوا: نبني مسجداً ونرسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيصلي فيه، ونرصده لأبي عامر الراهب ليصلي فيه إذا قدم من الشام، وكان أبو عامر الراهب رجلاً منهم تَنَصَّرَ في الجاهلية وترهَّب ولبس المُسوح. فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة قال له أبو عامر: ما هذا الذي جئتَ به؟ قال: جئتُ بالحنيفية دين إبراهيم. قال أبو عامر: فأنا عليها. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لستَ عليها. فقال: بلى ولكنك أدخلتَ فيها ما ليس [منها]. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما فعلتُ، ولكن جئتُ بها بيضاء نقية. قال أبو عامر: أمات الله الكاذب منا طريداً وحيداً غريباً. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: آمين. وسمّاه رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو عامر الفاسق. فلما كان يوم أُحُد قال أبو عامر لرسول الله صلى الله عليه وسلم: لا أجد قوماً يقاتلونك إلا قاتلتُك معهم، فلم يزل يقاتله إلى يوم حنين. فلما انهزمت هوازن خرج هارباً إلى الشام، وأرسل إلى المنافقين: أن أعدوا ما استطعتم من قوة وسلاح وابنوا لي مسجداً، فإني ذاهب إلى قيصر فآتي بجنود الروم فأخرج محمداً وأصحابه، فبنوا له هذا المسجد إلى جنب مسجد قباء. فلما أتموا بناءه أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنا قد ابتنينا مسجداً لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة، وإنا نحب أن تصلي فيه، فدعى بقميصه ليلبسه، فنزل عليه القرآن وأخبره الله تعالى خبرهم، فدعا معن بن عدي ومالك بن الدخشم في آخرين، فقال: انطلقوا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدموه وحرقوه، فاستنفروا رهط مالك بن الدخشم فهدموا المسجد وحرقوه، فتفرق عنه أهله. وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يُتَّخَذَ كُناسة تُلقى فيها الجِيَف والنتن والقُمامة. ومات أبو عامر الفاسق بقنّسرين بالشام طريداً وحيداً غريباً "

السابقالتالي
2 3