الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَآخَرُونَ ٱعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى ٱللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

قوله تعالى: { وَآخَرُونَ } يعني: من المؤمنين { ٱعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ } نزلت في أبي لبابة ونفر معه تخلفوا عن تبوك ثم ندموا، فقاموا وربطوا أنفسهم في السواري، فأقسموا بالله لا يطلقون أنفسهم حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يطلقهم. فلما قدم رسول الله قال: ما هؤلاء؟ فذكر له شأنهم، فقال: وأنا أقسم بالله لا أطلقهم ولا أعذرهم حتى يكون الله هو الذي يطلقهم ويعذرهم، رغبوا عني وتخلفوا عن المسلمين. فلما أنزل الله هذه الآية أطلقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وعذرهم.

قال الإمام أحمد ويحيى بن معين: اسم أبي لبابة: رفاعة بن عبد المنذر.

وقال موسى بن عقبة عن ابن شهاب: اسمه: بشير بن عبد المنذر.

وقال مقاتل: اسمه: مروان بن عبد المنذر.

والمعول على القول الأول، وهو قول الإمام، وهو الأكثر والأشهر عند علماء النقل.

وقلّ أن ترى قضية نقلية أو عقلية اضطربت فيها العقول، واختلف فيها أهل المنقول، إلا وجدت برهانه أنور وأوضح [ونقله] أصح وأرجح.
إذا قالت حَذام فصدِّقوها    فإن القولَ ما قالت حذام
اللهم فارزقنا لزوم الاقتداء به [بمآثره] والاهتداء بأنواره.

قوله تعالى: { خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحاً } وهو توبتهم، { وَآخَرَ سَيِّئاً } وهو تخلفهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقيل: العمل الصالح: ما سبق لهم من الجهاد، والعمل السيء: تخلفهم عن غزوة تبوك.

وقال ابن جرير: وضع الواو مكان الباء كما يقال: خُلط الماء واللبن.

وهذا تعسف وعدول عن حقيقة اللفظ، فإن الواو جعلت كل واحد من العملين مخلوطاً [ومخلوطاً] به، وكذلك في النظير الذي ذكره، فإنه جعل الماء واللبن مخلوطين ومخلوطاً بهما، كأنك قلت: خلط الماء باللبن واللبن بالماء.

{ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ } سبق القول في " عسى ".

أخبرنا الشيخان أبو القاسم أحمد بن عبدالله بن عبد الصمد السلمي وأبو الحسن علي بن أبي بكر البغداديان قالا: أخبرنا أبو الوقت عبد الأول بن عيسى بن شعيب، أخبرنا أبو الحسن الداودي، أخبرنا عبدالله بن أحمد السرخسي، أخبرنا محمد بن يوسف الفربري، حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري، حدثنا مؤمل، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، ثنا عوف، حدثنا أبو رجاء، حدثنا سمرة بن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا: " أتاني الليلة آتيان فابتعثاني، فانتهينا إلى مدينة [مبنية] بلبن ذهب ولبن فضة، فتلقانا رجال شطر من خلقهم كأحسن ما أنت راء، وشطر كأقبح ما أنت راء، قالا لهم: اذهبوا فقعوا في ذلك النهر، فوقعوا فيه، ثم رجعوا إلينا قد ذهب ذلك السوء عنهم، فصاروا في أحسن صورة، قالا لي: هذه جنة عدن، وهذاك منزلك. قالا: أما القوم الذين كانوا [شطر] منهم حسن وشطر منهم قبيح، فإنهم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً تجاوز الله عنهم ".