الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ كَلاَّ إِذَا دُكَّتِ ٱلأَرْضُ دَكّاً دَكّاً } * { وَجَآءَ رَبُّكَ وَٱلْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً } * { وَجِيۤءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ ٱلإِنسَانُ وَأَنَّىٰ لَهُ ٱلذِّكْرَىٰ } * { يَقُولُ يٰلَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي } * { فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ } * { وَلاَ يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ } * { يٰأَيَّتُهَا ٱلنَّفْسُ ٱلْمُطْمَئِنَّةُ } * { ٱرْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً } * { فَٱدْخُلِي فِي عِبَادِي } * { وَٱدْخُلِي جَنَّتِي }

قوله تعالى: { كَلاَّ } ردعٌ لهم عن ذلك.

ثم توعدهم وأخبرهم بما تؤول إليه حالهم من الحسرة، وتمني ما لا سبيل لهم إلى تداركه، من تقديم الإنفاق في سُبُل الخير والعمل الصالح فقال: { إِذَا دُكَّتِ ٱلأَرْضُ دَكّاً دَكّاً } أي: مرّة بعد أخرى بالزلازل، حتى يتحطَّم ما عليها من شيء.

وقال ابن قتيبة: دُقَّت جبالها وأنشازُها حتى استوَت.

{ وَجَآءَ رَبُّكَ } مذكور في البقرة عند قوله:إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ ٱللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ ٱلْغَمَامِ } [البقرة: 210].

{ وَٱلْمَلَكُ } يريد: الملائكة { صَفّاً صَفّاً } أي: يأتي [أهل كل] سماء صَفّاً على حِدَة.

[قال] الضحاك: [يكونون] سبعة صفوف.

{ وَجِيۤءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ } قال مقاتل: يُجاء بها فتُقام عن يسار العرش.

[وأخرج] مسلم في أفراده من حديث ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يُؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك [يجرّونها] ".

{ يَتَذَكَّرُ ٱلإِنسَانُ } أي: يتّعظ.

وقيل: يتذكّر ما فرّط فيه.

{ وَأَنَّىٰ لَهُ ٱلذِّكْرَىٰ } لا بد فيه من إضمار، تقديره: وأنّى له منفعة الذكرى. ولولا هذا الإضمار لتنافى صدر الآية وعجزها.

{ يَقُولُ يٰلَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي } [أي: قدمت لحياتي] هذه، وهي حياة الآخرة.

{ فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ } أي: لا يُعذّب مثل عذاب الله أحد من الخلق ولا يستطيع ذلك.

{ وَلاَ يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ } وقرأتُ على الشيخين أبي البقاء اللغوي وأبي عمرو عثمان بن مقبل الياسري للكسائي من جميع طرقه، ولعاصم من رواية المفضل عنه، وليعقوب الحضرمي: " يُعذَّبُ " و " يُوثَق " بفتح الذال [والثاء]، والضمير للإنسان، على معنى: لا يعذب أحد مثل عذابه، ولا يوثق أحد بالسلاسل والأغلال مثل وثاقه.

ويجوز أن يكون المعنى: لا يحمل عذاب الإنسان أحدٌ سواه، كما قال:وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ } [الأنعام: 164].

قوله تعالى: { يٰأَيَّتُهَا ٱلنَّفْسُ ٱلْمُطْمَئِنَّةُ } قال ابن عباس: المطمئنة بالإيمان.

وقال مجاهد: الراضيةُ بقضاء الله، التي علمت أن ما أصابها لم يكن ليخطئها، وما أخطأها لم يكن ليصيبها.

قال قتادة: الموقنة بما وعد الله.

فإن قيل: متى يقال لها ذلك؟

قلتُ: عند خروجها من الدنيا.

وفي الحديث: " أن هذه الآية قرئت عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر الصديق: إن هذا لحَسَنٌ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: أما إن المَلَك سيقولها لك عند الموت ".

وقال عبدالله بن عمر: إذا توفي العبد المؤمن أرسل الله عز وجل ملكين وأرسل إليه بتُحفة من الجنة فيقال: أُخرجي أيتها النفس المطمئنة، أُخرجي إلى روحٍ وريحانٍ، وربٍ عنك راضٍ، فتخرجُ كأطيب ريح مسك وَجَدَه في أنفه. وهذا قول جمهور المفسرين.

وقال عطاء وعكرمة والضحاك: يقال لها ذلك عند البعث، حين يأمر اللهُ الأرواحَ أن تعود إلى الأجساد.

ويؤيده قراءة ابن مسعود: " في جسد عَبْدِي " ، وقراءة ابن عباس: " فادخلي في عَبِيدِي ".

وقيل: يقال لها عند الموت: ارجعي إلى ربك، فإذا كان يوم القيامة قيل لها: فادخلي في عبادي وادخلي جنتي.

وقال الحسن: المعنى: ارجعي إلى ثواب ربك راضية بما أوتيت، مرضية عند ربك. { فَٱدْخُلِي فِي عِبَادِي } أي: في جملة عبادي الصالحين، منتظمة في سلكهم، { وَٱدْخُلِي جَنَّتِي } معهم. والله تعالى أعلم.