قوله تعالى: { فَأَمَّا ٱلإِنسَانُ } هو اسم جنس. قال ابن عباس: يريد: عتبة بن ربيعة، وأبا حذيفة بن المغيرة. وقال ابن السائب: يريد الكافر: أبي بن خلف. وقال مقاتل: نزلت في أمية بن خلف. { إِذَا مَا ٱبْتَلاَهُ رَبُّهُ } أي: اختبره بالغنى واليُسْر { فَأَكْرَمَهُ } بالمال { وَنَعَّمَهُ } به { فَيَقُولُ رَبِّيۤ أَكْرَمَنِ } أي: فضّلني بما أعطاني لكرامتي عليه. { وَأَمَّآ إِذَا مَا ٱبْتَلاَهُ } اختبره بالفقر { فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ } ضيَّقه عليه، { فَيَقُولُ رَبِّيۤ أَهَانَنِ } أذلَّني بالفقر. قال الزجاج: يعني بهذا: الكافر الذي لا يُؤمن بالبعث، إنما الكرامة عنده والهوان بكثرة الدنيا وقلَّتها. وصفة المؤمن: أن الإكرام عنده: توفيق الله إياه إلى ما يؤديه إلى حظِّ الآخرة. قال صاحب الكشاف: إن قلت: بم اتصل قوله: { فَأَمَّا ٱلإِنسَانُ }؟ قلتُ: بقوله:{ إِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلْمِرْصَادِ } [الفجر: 14]، كأنه قيل: إن الله لا يريد من الإنسان إلا الطاعة والسعي للعاقبة، وهو مُرْصِدٌ بالعقوبة للعاصي؛ فأما الإنسان فلا [يريد] ذلك ولا يهمه إلا العاجلة وما يُلذّه ويُنعمّه فيها. واختلف القُرَّاء في إثبات الياء وحذفها في " أكرمني " و " أهانني " ، على نحو ما تقدم في الموضعين السابقين في هذه السورة. قوله تعالى: { كَلاَّ } ردعٌ للإنسان عن قوله. ثم قال: { بَل لاَّ تُكْرِمُونَ ٱلْيَتِيمَ } أي: بل [هناك] شر من هذا القول، وهو أن الله يكرمهم بكثرة المال فلا يؤدون ما يجب عليهم من إكرام اليتيم والحضّ على طعام المسكين. قرأ أبو عمرو: " يكرمون " و " يحضون " و " يأكلون " و " يحبون " بالياء فيهن، على لفظ الغيبة؛ لتقدم ذكر الإنسان الذي هو اسم للجنس. وقرأ الباقون: بالتاء فيهن، على الخطاب من النبي صلى الله عليه وسلم لمن أرسل إليه. على معنى: قل لهم يا محمد كذا وكذا. وقرأ الكوفيون: " تَحَاضُّونَ " بألف قبل الضاد، ويمدُّون الألف لسكونها وسكون أول المشدد، أصله: يتحاضضون، أي: يحضّ بعضكم بعضاً ويحرّضه على إطعام المسكين، فحذفوا إحدى التائين طلباً للخفة، وأدغموا الضاد في الضاد. قوله تعالى: { وَتَأْكُلُونَ ٱلتُّرَاثَ } أي: تراث اليتيم، وهو ميراثه. قال ابن قتيبة: التراث: الميراث، والتاء فيه منقلبة عن واو، كما قالوا: تُجَاه، والأصل: وُجَاه. { أَكْلاً لَّمّاً } شديداً. قال الزمخشري: أكْلاً ذا لَمّ، وهو الجمع من الحلال والحرام. يعني: أنهم يجمعون في أكلهم بين نصيبهم من الميراث ونصيب غيرهم. وقيل: كانوا لا يورِّثون النساء والصبيان، ويأكلون تُراثَهم مع تُراثِهم. { وَتُحِبُّونَ ٱلْمَالَ حُبّاً جَمّاً } أي: يحبون جمعه حباً كثيراً مع الشَّرَه والحرص ومنع الحقوق.