قال الله تعالى: { وَٱلْفَجْرِ } قال ابن فارس: الفَجْر: انفِجارُ الظُّلمة عن الصُّبح، وانفَجَرَ الماء: [تَفَتَّحَ]. والظاهر أن القَسَم به، كما أقسَم بالصبح في قوله:{ وَٱلصُّبْحِ إِذَآ أَسْفَرَ } [المدثر: 34]. وقال عطية: فيه إضمار، تقديره: وصلاة الفجر. والأول أصح. قال ابن عباس: هو انفجار الصبح كل يوم. وقال مجاهد: يوم النحر. وقال قتادة: هو أول يوم من المحرم، تنفجر منه السنة. وقال الضحاك: فجر ذي الحجة، لقوله: { وَلَيالٍ عَشْرٍ } يريد: عشر ذي الحجة، في قول جمهور المفسرين. وروى أبو ظبيان عن ابن عباس: أنه العشر الآخر من رمضان. وقال يمان: عشر المحرم. فإن قيل: لم نكّر الليالي العشر؟ قلتُ: لموضع اختصاصها بزيادة الفضيلة. قوله تعالى: { وَٱلشَّفْعِ وَٱلْوَتْرِ } قرأ حمزة والكسائي: " والوِتْر " بكسر الواو، وفتحها الباقون. وهما لغتان. وللمفسرين في الشفع والوتر عشرون قولاً، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك أيضاً روايات: منها: ما أخرجه الترمذي من حديث عمران بن حصين: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئل عن الشفع والوتر فقال: هي الصلاة، بعضُها شفع وبعضها وتر " ، وهو اختيار قتادة. وروى أبو أيوب الأنصاري: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئل عن قوله: { وَٱلشَّفْعِ وَٱلْوَتْرِ } فقال: الشفع يوم عرفة ويوم الأضحى، والوتر ليلة النحر ". وروى جابر بن عبدالله: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الشفع يوم النحر، والوتر يوم عرفة ". ويقع لي والله أعلم في هذا الحديث: أن يوم النحر سمي شفعاً؛ لأنه يُشفع بليلة النحر، فهي مماثلة له في الفضيلة. وهذا قول عكرمة والضحاك. وقال أبو صالح: الشفع: الخلق كله، والوتر: الله عز وجل. وقيل: الوتر: آدم شُفِعَ بزوجته حواء. وهذه الأقوال [الثلاثة] مروية عن ابن عباس. وقال ابن زيد: الشفع والوتر: الخلق كله، منه شفعٌ ومنه وتر. وقيل غير ذلك، مما لا طائل في حكايته. قوله تعالى: { وَٱلَّيلِ إِذَا يَسْرِ } أثبت الياء في الحالين: ابن كثير، ووافقه في الوصل: نافع وأبو عمرو، وحذفها الباقون في الحالين اكتفاء بالكسرة. وهي اختيار الزجاج؛ لأنها فواصل، والفواصل تحذف منها الياءات، وتدل عليها الكسرات. والمعنى: إذا يسري ذاهباً مدبراً، كقوله:{ وَٱللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ } [المدثر: 33]، وقوله:{ هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِى حِجْرٍ } [التكوير: 17]. وقال قتادة: إذا يسري مقبلاً. والأول أصح، وعليه جمهور المفسرين، وهو اختيار الزجاج. قوله تعالى: { هل في ذلك قسم لذي حِجْر } أي: هل فيما أقسمت به قسم لذي عقل. وسمي العقل حِجْراً؛ لأنه يحجر صاحبه عن الوقوع في المهالك وفيما لا ينبغي. والاستفهام بمعنى التقرير. قال الزمخشري: والمقسم عليه محذوف، وهو " لتعذبن " ، يدل عليه قوله: { أَلَمْ تَرَ } [إلى قوله]: { فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ }.