قال الله تعالى: { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ٱلْغَاشِيَةِ } قال ابن عباس: هي القيامة تغشى الناس بالأهوال. وقال سعيد بن جبير ومقاتل: هي النار تغشى وجوه الكفار. { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ } ذليلة، وهي وجوه الكفار. وقال ابن عباس: هي وجوه اليهود والنصارى. قوله تعالى: { عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ } الوصف للوجوه، والمراد: أصحابها. واختلفوا في موضع العمل؛ فقال قوم: عاملة في الدنيا. قال ابن عباس في رواية أبي الضحى: هم الرهبان وأصحاب الصوامع. وقال في رواية عطاء: هم الذين عملوا ونصبوا في الدنيا على غير دين الإسلام، كعبدة الأوثان والرهبان وغيرهم. وقال عكرمة والسدي: عاملةٌ في الدنيا بالمعاصي، ناصبةٌ في النار يوم القيامة. وقال قوم: عاملة في النار. قال ابن عباس -في رواية عنه- والحسن: عاملة في النار بمعالجة السلاسل والأغلال؛ لأنها لم تعمل لله في الدنيا، فأعملها ناصبة في النار. قال الضحاك: يكلفون ارتقاء جبل في النار من حديد. قوله تعالى: { تَصْلَىٰ نَاراً حَامِيَةً } قرأ أبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر: " تُصلى " بضم التاء، جعلاه فعلاً رباعياً لم يُسمّ فاعله، متعدياً إلى مفعولين، أحدهما مضمر في الفعل يعود على أصحاب الوجوه المذكورة. والثاني: " ناراً ". وقرأ الباقون: بفتح التاء، وهو في معنى قوله:{ وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً } [النساء: 10]. وقد سبق تفسيره. قوله تعالى: { تُسْقَىٰ مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ } أي: متناهية في الحر؛ كقوله:{ وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ } [الرحمن: 44]. قال الحسن رحمه الله: قد أُوقدت عليها جهنم مذ خُلقت فدُفِعُوا إليها عِطاشاً. قوله تعالى: { إِلاَّ مِن ضَرِيعٍ } قال ابن عباس في رواية العوفي: هو نبتٌ ذو شوك لاطئٌ بالأرض، تسميه قريش: الشِّبْرِق، فإذا هاج سموه ضريعاً. وأنشدوا قول أبي ذؤيب:
رَعَى الشَّبْرِقَ [الرَّيَّان] حتى إذا ذوَى
وعَادَ ضَريعاً بَانَ عنه النَّحَائِصُ
وقال في رواية الوالبي: هو شجرٌ من نار. ولا تنافي بين القولين. قال ابن زيد: الضريع في الدنيا: الشوك اليابس الذي ليس له ورق، وهو في الآخرة: شوك من نار. واعلم أن أهل النار متفاوتون في العذاب، كما قال تعالى:{ لِكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ } [الحجر: 44]، فمنهم من ليس له طعام إلا من ضريع، ومنهم من ليس له طعام إلا من غسلين، ومنهم من طعامه الزقوم. قال المفسرون: لما نزلت هذه الآية، قال المشركون: إن إبلنا لتسمن على الضريع، فأنزل الله: { لاَّ يُسْمِنُ وَلاَ يُغْنِي مِن جُوعٍ }.