الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى ٱلإِبْلِ كَيْفَ خُلِقَتْ } * { وَإِلَى ٱلسَّمَآءِ كَيْفَ رُفِعَتْ } * { وَإِلَىٰ ٱلْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ } * { وَإِلَى ٱلأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ } * { فَذَكِّرْ إِنَّمَآ أَنتَ مُذَكِّرٌ } * { لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ } * { إِلاَّ مَن تَوَلَّىٰ وَكَفَرَ } * { فَيُعَذِّبُهُ ٱللَّهُ ٱلْعَذَابَ ٱلأَكْبَرَ } * { إِنَّ إِلَيْنَآ إِيَابَهُمْ } * { ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ }

{ أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى ٱلإِبْلِ كَيْفَ خُلِقَتْ } قال قتادة: ذكر الله ارتفاع سرر الجنة فقالوا: كيف نصعدها؟ فنزلت: { أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى ٱلإِبْلِ كَيْفَ خُلِقَتْ }.

قال سعيد بن جبير: لقيت شريحاً القاضي فقلت: أين تريد؟ فقال: أريد الكُنَاسَة، قلت: وما تصنع بها؟ قال: أنظر إلى الإبل كيف خلقت.

والمعنى: كيف خلقت خلقاً عجيباً عظيماً.

قال أبو عمرو ابن العلاء: إنما خَصَّ الإبل؛ لأنها من ذوات الأربع، تبرك فتُحمل عليها الحمولة، وغيرها من ذوات الأربع لا يُحمل عليها إلا وهي قائمة.

قال الزجاج: نبّههم على عظيمٍ من خَلْقِهِ قد ذلَّلَــهُ [للصغير] يقوده ويُنيخُه ويُنهضه، ويُحمَّل الثقيل من الحمل وهو بارك فينهض به.

وقيل للحسن: الفيل أعظم في الأعجوبة، فقال: العرب بعيدة العهد بالفيل، ثم هو خنزير، لا يُركب ظهره، ولا يُؤكل لحمه، ولا يُحلب دَرُّه، والإبل من أعز مال العرب وأنفسه، تأكل النوى والقت، وتُخرج اللبن، ويأخذ الصبي بزمامها فيذهب بها حيث شاء مع عظمها في نفسها.

قال الثعلبي والواحدي: ويحكى أن فأرة أخذت بزمام ناقة، فجعلت تجرُّها وهي تتبعُها، حتى دخلت في الجُحْر، فجرّت الزمام فبركت، فقرّبت فمها من جُحْر الفأرة. وقد قررنا هذا المعنى في آخر يس.

وقرأ ابن عباس، وأبو عمران، والأصمعي عن أبي عمرو: " الإبْل " بإسكان الباء.

وقرأ أبي بن كعب، وعائشة، وأبو المتوكل، والجحدري، وابن السميفع، وهارون عن أبي عمرو: بكسر الباء وتشديد اللام.

قال أبو عمرو: الإبلّ -بتشديد اللام-: السحاب الذي يحمل الماء.

قال الثعلبي: لم أجد لذلك أصلاً في كتب الأئمة.

قال الزمخشري: لم يَدَّعِ من زعم أن الإبلّ السحاب إلى قوله إلا طلب المناسبة، ولعله لم يرد أن الإبلّ من أسماء السحاب، كالغمام والمزن، وإنما رأى السحاب مشبهاً بالإبل [كثيراً في أشعارهم]، فجوّز أن يُراد بها السحاب على طريق التشبيه والمجاز.

وقرأ جماعة، منهم: أبو العالية، وأبو عمران، وابن أبي عبلة: " خَلَقْتُ " بفتح الخاء واللام وسكون القاف وضم التاء. وكذلك " رَفَعْتُ " و " نَصَبْتُ " و " سَطَحْتُ ".

قال أنس بن مالك: صليت خلف علي بن أبي طالب عليه السلام فقرأ: " أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خَلَقْتُ ".

وكذلك: " رَفَعْتُ " و " نَصَبْتُ " و " سَطَحْتُ " يعني: على البناء للفاعل وتاء الضمير. والتقدير: خَلَقْتُها ورَفَعْتُها ونَصَبْتُها وسَطَحْتُها، فحذف المفعول.

قوله تعالى: { وَإِلَى ٱلسَّمَآءِ كَيْفَ رُفِعَتْ } أي: رفعت بغير علاقة ولا دعامة.

{ وَإِلَىٰ ٱلْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ } نصباً رصيناً متيناً، فهي شامخة راسخة، لا تميد ولا تحيد.

{ وَإِلَى ٱلأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ } سطحاً وثيراً، تتأتّى معه إثارتها لاستثمار الزرع والأشجار، وعمَارَتُها للسكن والقرار.

السابقالتالي
2