الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَلاَ أُقْسِمُ بِٱلشَّفَقِ } * { وَٱللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ } * { وَٱلْقَمَرِ إِذَا ٱتَّسَقَ } * { لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَن طَبقٍ } * { فَمَا لَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } * { وَإِذَا قُرِىءَ عَلَيْهِمُ ٱلْقُرْآنُ لاَ يَسْجُدُونَ } * { بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُكَذِّبُونَ } * { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ } * { فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } * { إِلاَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ }

قوله تعالى: { فَلاَ أُقْسِمُ بِٱلشَّفَقِ } وهو الحمرة التي تخرج وقت المغرب بغيبوبتها.

قال الفراء: سمعت بعض العرب يقول وعليه ثوب مصبوغ: كأنه الشفق، وكان أحمر.

وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: " الشفق: الحُمْرة " وقد ملّح بعض المتأخرين في قوله:
لو لم يكنْ وجْهُهُ شمسَ النهارِ لما   لاحتْ على وجْنَتَيْهِ حُمْرَةُ الشَّفَقِ
وقال آخر:
قُمْ يا غلامُ أعِنِّي غيرَ مُحْتَشِمٍ   على الزَّمانِ بكأسٍ حَشْوُهَا شَفَقُ
وإلى هذا ذهب عمر بن الخطاب، والعبادلة: ابن مسعود، وابن عباس، وابن عمر، وابن الزبير، وأبو هريرة، وأنس بن مالك، والسعيدان: ابن المسيب، وابن جبير، وطاووس، ومكحول، والأوزاعي، وأبو يوسف، وأبو عبيد، وإسحاق بن راهويه، والأئمة الثلاثة؛ مالك، والشافعي، وأحمد، والفراء، والزجاج، وابن قتيبة، وعامة العلماء من الفقهاء والمفسرين واللغويين.

وقال مجاهد وعكرمة: الشفق: النهار كله.

وقال عمر بن عبد العزيز: البياض. ويقال أنه رجع عنه.

قوله تعالى: { وَٱللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ } أي: وما جَمَعَه وضَمَّه، مما كان منتشراً في النهار، وذلك أنه بدخول الليل يأوي كلُّ ذي وطن إلى وطنه، وكلُّ ذي وَكْر إلى وَكْره.

قوله تعالى: { وَٱلْقَمَرِ إِذَا ٱتَّسَقَ } أي: تكامل وتمّ، وذلك ليلة أربع عشرة.

وقال الفراء: اتِّسَاقُهُ: امتلاؤه واجتماعه واستواؤه ليلة ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة، وست عشرة. وهو افتعل من الوَسْق، وهو الجمع.

وقد ذكرنا في الذاريات معنى القَسَم بهذه الأشياء وأمثالها، وجواب القسم: { لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَن طَبقٍ }.

قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي: " لتركبَن " بفتح الباء، وهي قراءة عمر بن الخطاب، وابن مسعود وأصحابه، وابن عباس، وأبي العالية.

واختلفوا في معناه، فقيل: هو خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم.

أخبرنا الشيخان أبو القاسم وأبو الحسن قالا: أخبرنا عبدالأول، أخبرنا عبدالرحمن، أخبرنا عبدالله، أخبرنا محمد، [حدثنا البخاري]، حدثنا سعيد بن النضر، حدثنا هشيم، حدثنا أبو بشر جعفر بن إياس، عن مجاهد قال:
قال ابن عباس: { لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَن طَبقٍ } قال: حالاً بعد حال. قال هذا نبيكم صلى الله عليه وسلم   
انفرد بإخراجه البخاري.

وقال ابن مسعود والشعبي ومجاهد: المعنى: لتركبن يا محمد سماء بعد سماء.

قال الكلبي: تَصعد فيها.

وقيل: لتركبن رتبة بعد رتبة، ودرجة بعد درجة في القربة إلى الله ورفعة المنزلة.

وقال قوم، منهم: قتادة: الإشارة إلى السماء، يريد: أنها تتغير لوناً بعد لون، فتصير تارة كالدهان، وتارة كالمهل، [وتُشقّق] بالغمام مرة، وتُطوى أخرى.

وقيل: الخطاب للإنسان المنادى بقوله:يٰأَيُّهَا ٱلإِنسَٰنُ } [الإنشقاق: 6].

فإن قيل: لم يُرد إنساناً بعينه، بل هو اسم جنس؟

قلتُ: هو كذلك، لكنه راعى اللفظ، فخاطب خطاب الواحد.

وقرأ الباقون: " لتَرْكَبُنَّ " بضم الباء، على الخطاب للجنس، وهي اختيار أبي عبيد، [قال]: لأن المعنى بالناس أشبه منه بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه إنما ذكر قبل هذه الآية من يؤتى منهم كتابه بيمينه وشماله، ثم قال بعدهما: { فَمَا لَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } ، وذكر ركوبهم طبقاً بعد طبق فيهما.

السابقالتالي
2