الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ } * { ٱلَّذِينَ إِذَا ٱكْتَالُواْ عَلَى ٱلنَّاسِ يَسْتَوْفُونَ } * { وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ } * { أَلا يَظُنُّ أُوْلَـٰئِكَ أَنَّهُمْ مَّبْعُوثُونَ } * { لِيَوْمٍ عَظِيمٍ } * { يَوْمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }

قال الله تعالى: { وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ } قال ابن عباس: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة كانوا من أخبث الناس كيلاً، فأنزل الله: { وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ } ، فأحسنوا الكيل بعد ذلك.

وقال السدي: قدم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم المدينةَ وبها رجل يقال له: أبو جهينة، ومعه صاعان يكيل بأحدهما ويكتال بالآخر، فأنزل الله هذه الآية.

وقد ذكرنا معنى " ويل " في البقرة.

قال ابن قتيبة: والمُطَفِّفُ: الذي لا يُوفي الكيل. يقال: إناء [طَفَّانٌ]؛ إذا لم يكن مملوءاً.

وقال الزجاج: إنما قيل: مُطَفِّفٌ؛ لأنه لا يكاد يَسْرِقُ في الميزان والمكيال إلا الشيء الطفيف، وإنما أُخذ من: طَفِّ الشيء، وهو جانبه.

قال: وقد فَسَّرَ أمرهم في السورة فقال: { ٱلَّذِينَ إِذَا ٱكْتَالُواْ عَلَى ٱلنَّاسِ يَسْتَوْفُونَ }.

قال الفراء والزجاج وغيرهما من اللغويين: المعنى: إذا اكتالوا من الناس استوفوا عليهم الكيل.

و " على " و " مِنْ " يتعاقبان.

ولم يذكر الوزن؛ لأن الكيل والوزن بهما الشراء والبيع غالباً، فذكْرُ أحدهما يدل على الآخر.

{ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ } أي: كَالوا لهم أو وَزَنُوا لهم. فحذف الحرف الجار وأوصل الفعل، كما قال:
ولقد جَنَيْتُكَ أَكْمُؤاً وعَسَاقِلاً   ...........................
أي: جنيت لك [هذا]، كقولهم: نصحتك وشكرتك.

قال الفراء: هو من كلام أهل الحجاز وَمَنْ جاورهم.

فعلى هذا: يكون الضميران في موضع نصب.

وقيل: " هم " توكيد.

المعنى: وإذا كَالَ المطففون، فيكون الضميران في موضع رفع.

والأول هو الوجه الصحيح.

ومعنى: " يخْسِرُون ": يُنْقِصُون، كقوله:وَلاَ تُخْسِرُواْ ٱلْمِيزَانَ } [الرحمن: 9]، وقد مرّ تفسيره.

ثم وبَّخهم وخوّفهم فقال: { أَلا يَظُنُّ أُوْلَـٰئِكَ أَنَّهُمْ مَّبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ } أي: ألا يتوهَّمون ويخطر ببالهم أنهم مبعوثون ومحاسبون، يريد: أن من توهم البعث والجزاء على الأعمال جدير [بأن] يتحاشى ظلم الناس في أموالهم.

وقال ابن عباس وعامة المفسرين: يريد: ألا يستيقن مَنْ فعل هذا أنه مبعوث ومحاسب.

قال مقاتل: المُطَفِّفُ في الكيل والوزن شاكٌ في البعث يوم القيامة.

قال الزجاج: لو ظنوا أنهم يُبعثون ما نقصوا الكيل والوزن.

قال صاحب الكشاف: وفي هذا الإنكار والتعجيب وكلمة الظن، ووصف اليوم بالعِظَم، وقيام الناس فيه لله خاضعين، ووصف ذاته برب العالمين: بيان بليغ لِعِظَم الذنب، وتفاقُم الإثم في التطفيف، وفيما كان في مثل حاله من الحيف وترك القيام بالقسط، والعمل على التسوية والعدل في كل أخذ وإعطاء، بل في كل قول وعمل.

فصل: يتضمن نبذة زاجرة عن التطفيف

روى مجاهد وطاووس والضحاك عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خمسٌ بخمسٍ، قالوا: يا رسول الله وما خمسٌ بخمسٍ؟ قال: ما نقض قومٌ العهد إلا سلّط الله عليهم عدوهم، وما حكموا بغير ما أنزل الله عز وجل إلا فشا فيهم الفقر، وما ظهرت فيهم الفاحشة إلا فشا فيهم الموت، وما طفَّفُوا الكيل إلا مُنِعُوا النبات وأخذوا بالسنين، ولا مَنعوا الزكاة إلا حُبس عنهم القطر ".


السابقالتالي
2