الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَلاَ أُقْسِمُ بِٱلْخُنَّسِ } * { ٱلْجَوَارِ ٱلْكُنَّسِ } * { وَٱللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ } * { وَٱلصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ } * { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ } * { ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي ٱلْعَرْشِ مَكِينٍ } * { مُّطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ } * { وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ } * { وَلَقَدْ رَآهُ بِٱلأُفُقِ ٱلْمُبِينِ } * { وَمَا هُوَ عَلَى ٱلْغَيْبِ بِضَنِينٍ } * { وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ } * { فَأيْنَ تَذْهَبُونَ } * { إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ } * { لِمَن شَآءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ } * { وَمَا تَشَآءُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ }

قوله تعالى: { فَلاَ أُقْسِمُ بِٱلْخُنَّسِ * ٱلْجَوَارِ ٱلْكُنَّسِ } قال الزجاج وغيره: " لا " مزيدة مؤكدة. والمعنى: فأقسم بالخنس.

والخُنَّس: جمع خَانِس وخَانِسَة، والكُنَّس: جمع كَانِس وكَانِسَة، والجواري: جمع جارية، وعامة المفسرين يقولون: هي النجوم.

قال ابن قتيبة: وإنما سَمَّاها خُنَّساً؛ لأنها تسير في البروج والمنازل كسير الشمس والقمر، ثم تخنُس، أي: ترجع، بينا ترى أحدها في آخر البروج كرَّ راجعاً إلى أوله، وسَمّاها كُنّساً؛ لأنها تكنِس، أي: تستتر، كما تَكنِسُ الظباء.

قال قتادة: تبدو بالليل وتخفى بالنهار فلا تُرى.

قال الزجاج: تَخْنِسُ: أي: تغيب، (وكذلك تَكْنِسُ، أي: تدخل في كناسها أي: تغيب) في المواضع التي تغيب فيها.

ويروى: أن رجلاً من مراد قال لعلي عليه السلام: ما الخُنَّس الجواري الكُنَّس؟

قال: هي الكواكب تخنس بالنهار فلا تُرى، وتكنس بالليل فتأوي إلى مجاريها. قال: وهن: بهرام، وزحل، وعطارد، والزهرة، والمشتري.

قال الماوردي: وفي تخصيصها بالذكر وجهان:

أحدهما: [لأنها] تستقبل الشمس. وهذا قول بكر بن عبدالله المزني.

والثاني: لأنها تقطع المجرّة. وهذا قول ابن عباس.

وذهب جماعة، منهم: ابن مسعود، وإبراهيم النخعي، وجابر بن زيد، إلى أنها: بقر الوحش.

وقال سعيد بن جبير وابن عباس في رواية العوفي عنه: هي الظباء.

والمرادُ بانْخِنَاسِها: رجوعُها بعد جَرْيِها إلى كِنَاسِها، وهو اسمٌ للمكان الذي تأوي إليه؛ لأنها تَكْنِسُ فيه، أي: تدخل وتستتر.

قوله تعالى: { وَٱللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ } يقال: عسعس الليل، وقد يُقلب فيقال: سَعْسَعَ. قال اللغويون: هو من الأضداد، يقال: عَسْعَسَ الليل؛ إذا أقبل، وعَسْعَسَ؛ إذا أدبر. وأنشدوا:
حتى إذا الصبحُ لَهَا تَنَفَّسَا   وانجابَ عنها ليلُها وعَسْعَسَا
والمعنيان مذكوران في التفسير، ورجح بعضهم المعنى الثاني بقوله: { وَٱلصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ }. قال [الزجاج]: تنفّس الصبح: امتدّ وصار نهاراً بيّناً.

ثم ذكر جواب القسم فقال: { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ }.

قال الزجاج: يعني: القرآن نزل به جبريل عليه السلام.

ثم وصف جبريل بقوله: { ذِي قُوَّةٍ } ، فهو كقوله:شَدِيدُ ٱلْقُوَىٰ * ذُو مِرَّةٍ فَٱسْتَوَىٰ } [النجم: 5-6] والمعنى: ذي قوةٍ على أعداء الله، { عِندَ ذِي ٱلْعَرْشِ } صاحبه وهو الله عز وجل { مَكِينٍ } رفيع المنزلة والمكانة عند ذي العرش.

{ مُّطَاعٍ } في الملائكة ممتثل الأمر فيهم، علماً منهم بأن إيراده وإصداره منوط بإذن رب العزة جل وعلا.

قال المفسرون: من طاعة الملائكة لجبريل عليه السلام: أنه أمر خازن الجنة ليلة المعراج حتى فتح لمحمد صلى الله عليه وسلم أبوابها فدخلها، ورأى ما فيها، وأمر خازن النار ففتح له عنها حتى نظر إليها.

وقال بعض العلماء: { ثَمَّ } إشارة إلى الظرف [المذكور]، وهو: عند ذي العرش، فالمعنى: مطاع في ملائكة الله المقربين.

وقرئ: " ثُمَّ " بضم الثاء؛ تعظيماً لأمانة جبريل، وبياناً لأنها أفضل صفاته المعدودة.

السابقالتالي
2