الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَإِذَا جَآءَتِ ٱلصَّآخَّةُ } * { يَوْمَ يَفِرُّ ٱلْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ } * { وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ } * { وَصَٰحِبَتِهِ وَبَنِيهِ } * { لِكُلِّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ } * { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ } * { ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ } * { وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ } * { تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ } * { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْكَفَرَةُ ٱلْفَجَرَةُ }

قوله: { فَإِذَا جَآءَتِ ٱلصَّآخَّةُ } قال الزجاج: هي الصيحة التي تكون عندها القيامة، تَصُخُّ الأسماع، أي: تُصِمُّها فلا تسمع إلا ما تُدعى به؛ لإحيائها.

قال ابن قتيبة: يقال: رجل أصَخُّ وأصْلَخ؛ إذا كان لا يسمع، [والداهية]: صاخَّةٌ أيضاً.

وقال ابن فارس: الصَّاخَّة: الصَّيْحَة تَصُمّ [الآذان].

وقال صاحب الكشاف: يقال: صَخّ لحديثه، مثل: أصاخ له، فوُصفت النفخة بالصاخّة مجازاً؛ لأن الناس يصخُّون لها.

ثم أخبر الله متى تكون الصاخّة فقال: { يَوْمَ يَفِرُّ ٱلْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَٰحِبَتِهِ } زوجته وقرينته في الدنيا، { وَبَنِيهِ }.

فصل

سألني يوماً رجلٌ من الأكابر في محفل محشودٍ بالعلماء والفقهاء بالموصل فقال: لم بدأ بالأخ من بين الأقارب؟

قلتُ: غير خافٍ ما طُبعت عليه النفوس العربية الأبيّة من العصبيّة والمدافعة والممانعة، وحفظ [الذمار]. ومعلوم أن المكافئ للإنسان عند حاجته إلى المعاضدة والمناصرة إنما هم الإخوة؛ لأن الآباء في مظنة الكِبَر، والأبناء في مظنة الصِّغَر، وهم حالتا ضعف وعجز. والمقصود من سياق هذه الآية: بيان شدائد القيامة وأهوالها، فأعلم الله عز وجل أن الناس في القيامة تُخامرهم مخاوف وزلازل تُذهل القريب المرجوّ لدفع الكرب والشدائد، وتُوجب فراره عن أعزّ الناس عليه، وأقربهم إليه، فبدأ بالأخ؛ لما بينه وبين أخيه من القرابة القريبة، وكونه أشدّ معاضدة لأخيه ومناصرة له، على المعنى الذي ذكرناه.

ثم رأيت بعد ذلك صاحب الكشاف قد ذكر معنى آخر غير هذا فقال: بدأ بالأخ، ثم بالأبوين؛ لأنهما [أقرب] منه، ثم بالصاحبة والبنين؛ لأنهم أقرب وأحبّ، كأنه قيل: يفر من أخيه، بل من أبويه، بل من صاحبته وبنيه.

قوله تعالى: { لِكُلِّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ } قال الفراء: يشغله عن قرابته.

وقال ابن قتيبة: يَصرفُه.

وقال غيرهما: " يُغْنِيه " بمعنى: يكفيه في الاهتمام به.

وقرأ جماعة، منهم: أبو عبد الرحمن السلمي، والزهري، وأبو العالية، وابن السميفع: " يَعْنِيهِ " بفتح الياء وعين مهملة، بمعنى: شأن لا يُهمُّه غيره.

أخبرنا المؤيد بن محمد في كتابه قال: أخبرنا عبد الجبار بن أحمد بن محمد الخواري، أخبرنا علي بن أحمد النيسابوري، أخبرنا الحسن بن علي الواعظ، أخبرنا محمد بن عبدالله بن الحاكم، أخبرنا أحمد بن سليمان، [حدثنا إسماعيل بن إسحاق]، حدثنا إسماعيل بن أبي أويس، حدثنا أبي، عن محمد بن أبي عياش، عن عطاء بن يسار، عن سودة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يُبعث الناس حُفاةً عُراةً غُرْلاً، يَلجمهم العرق ويبلغ شحمة الآذان. قالت: قلت: يا رسول الله، واسوءتاه! ينظر بعضنا إلى بعض!! قال: شُغِلَ الناس عن ذلك، وتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: { لِكُلِّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ } ".


السابقالتالي
2