الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِٱلْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ } * { يُجَادِلُونَكَ فِي ٱلْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى ٱلْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ } * { وَإِذْ يَعِدُكُمُ ٱللَّهُ إِحْدَى ٱلطَّآئِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ ٱلشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ ٱلْكَافِرِينَ } * { لِيُحِقَّ ٱلْحَقَّ وَيُبْطِلَ ٱلْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُجْرِمُونَ }

قوله تعالى: { كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِٱلْحَقِّ } الكاف في " كما " جائز أن يكون في موضع رفع خبر مبتدأ تقديره: هذه الحال التي كرهوها يوم بدر مما يتعلق بالغنائم مثلُ إخراجك، وجائز أن يكون في موضع نصب نعتاً لحقاً، تقديره: أولئك هم المؤمنون حقاً مثلَ إخراجك، أو صفة لمصدر الفعل المقدر تقديره: قل الأنفال استقرّت وثبتت لله والرسول ثباتاً مثلَ ثبات إخراجك من بيتك وهم كارهون.

وقيل: الكاف متعلقة بقوله:فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَصْلِحُواْ } [الأنفال: 1] تقديره: فاتقوا الله وأصلحوا فإنه خير لكم، كما كان إخراج الله نبيه خيراً لكم وأنتم كارهون.

وقوله: { مِن بَيْتِكَ } يحتمل وجوهاً:

أحدها: مكة، فيراد بالإخراج: الهجرة إلى المدينة.

الثاني: المدينة؛ لأنها مهاجره ومسكنه، فهي لاختصاصها به كبيته الذي يسكنه.

الثالث: بيته بالمدينة، وهذان الوجهان أصح من الأول.

قوله تعالى: { بِٱلْحَقِّ } أي: إخراجاً ملتبساً بالحق والحكمة.

{ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ } في موضع الحال، أي: [أخرجك] في حال كراهتك. وذلك " أن عير قريش أقبلت من الشام فيها تجارة عظيمة ومعها أربعون راكباً، منهم أبو سفيان، وعمرو بن العاص، فأخبر جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبر المسلمين، فأعجبهم تلقي العير؛ لكثرة الخير وقلة الرجال، فلما خرجوا بلغ أبا سفيان، فاستأجر ضمضم بن عمرو الغفاري سريعاً إلى مكة ليُشعر قريشاً، فرقى أبو جهل فوق الكعبة ونادى: يا أهل مكة النجا النجا على كل صعب وذلول، عيركم إن أصابها محمد لن تفلحوا بعدها أبداً، فغضبوا وانتدبوا وتنادوا: لا يتخلف منا أحد إلا هدمنا داره.

وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بالروحاء أخذ عيناً للقوم فأخبر بهم، وبعث صلى الله عليه وسلم عيناً له من جهته يدعى ابن أريقط، فأتاه بخبر القوم، وطلب أبو سفيان سِيفَ البحر ونجا بالعير، وكتب إلى أبي جهل: إن كنتم لِتحرزوا عيركم فقد أحرزتها لكم، فارجعوا. فقال أبو جهل: لا والله لا نرجع حتى ننزل بدر فننحر الجزور، ونشرب الخمور، ونقيم القَيْنات والمعازف، فتتسامع العرب بخروجنا، وأن محمداً لم يُصب عيرنا.

ونزل جبريل فقال: يا محمد إن الله وعدك إحدى الطائفتين، إما العير وإما قريشاً، فكان العير أحبَّ إليهم، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن العير قد مضت إلى ساحل البحر، وهذا أبو جهل قد أقبل على كل صعب وذلول، فقالوا: يا رسول الله عليك بالعير، فإنا لم نخرج لقتال ولم نتهيأ له، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام أبو بكر وعمر رضي الله عنهما فقالا فأحسنا، وقام المقداد فقال: امض لما أمرك الله، فإنا معك حيثما أحببت، لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل: { فَٱذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاۤ إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ } [المائدة: 24]، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون ما دامت منا عين تطرف، والله لو سرتَ بنا إلى برك الغماد -يعني: مدينة الحبشة- لجالدنا معك حتى تبلغه، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم استشار أصحابه فقال: أشيروا عَلَيَّ أيها الناس - كأنه يريد الأنصار -، فقام سعد بن معاذ فقال: لكأنك تريدنا يا رسول الله؟ فقال: أجل، فقال: والذي بعثك بالحق، لو استعرضتَ بنا هذا البحر فخضّته لخضناه معك، وإنا لصُبُرٌ عند الحرب، صُدُقٌ عند اللقاء، ولعل الله يريك منا ما تقرّ به عينك، فَسِرْ بنا على بركة الله.

وقال سعد بن عبادة: والله لو سرت إلى عدن أبين ما تخلف عنك رجل من الأنصار، فحينئذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سيروا على بركة الله وأبشروا، فإن الله وعدني إحدى الطائفتين، والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم ".


السابقالتالي
2 3